الغيبوبة المغربية

الحقيقة 247 يوليو 2016
الغيبوبة المغربية

لا أدري لما اخترت هذا العنوان الكئيب، لكني لم أجد وصفا أصف به حال الأمة المغربية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، غير وصف الغيبوبة أو السكتة الدماغية، ذلك أن هذه الحالة المرضية تجعل صاحبها في منزلة بين الحياة والموت، مع أن احتمالات الموت تكون الأكثر رجاحة، إلا إذا شاءت الأقدار والمعجزات إنقاذه وعودته إلى الحياة.
قد تبدو هذه المقدمة مبالغة في التشاؤم، لكن من تصفح تقرير المجلس الأعلى للحسابات المتعلق بقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب، ستنتابه لا محالة حالة من الإكتئاب والغضب، قد تسبب له مضاعفات صحية خصوصا إذا تزامنت مع يوم طويل من العمل والصيام والحرارة.
لقد كان التقرير جريئا عندما دق ناقوس الخطر فيما يتعلق بحالة هذه المؤسسات المشرفة على الإفلاس، محلا قسطا مهما من المسؤولية لمديري ورؤساء تلك المؤسسات الذين يحفظ المغاربة أسماءهم العائلية التي تتكرر دائما في مثل هذه المناصب المحجوزة لأبناء نخبة النخبة وصفوة الصفوة، ليتمتعوا بأجور وامتيازات خيالية، ويعيثوا فسادا وفشلا دون حسيب أو رقيب، وقد تعجبت من التقرير عندما كشف أنه إلى حدود اليوم لم يتم تحديد شروط تعيين ممثلي الدولة لدى هذه المؤسسات، رغم أن الجواب بسيط ومعلوم للجميع، إذ يكفي أن تولد إبن فلان بن فلان لتكون من المحظوظين في هذا الوطن الحزين، وهكذا يتضح من خلال التقرير أن سياسة المحسوبية والزبونية، وأناقة المتفرنسين خريجي المعاهد والمدارس الفرنسية، ستقود البلاد لا محالة إلى إعلان الإفلاس والسكتة القلبية.
وفي مقابل هذا الوضع المالي والاقتصادي الهش، نحاول تلمس بصيص أمل في المشهد السياسي لعلنا نجد فيه طريق للنضال ضد هذه السياسات الفاشلة، لنصطدم بواقع أكثر فسادا وخطاب سياسي يزداد رداءة، ليبقى اليأس من تغيير منشود هو عنوان الشارع المغربي، وهنا تكمن القنبلة الموقوتة، ذلك أن عدم قدرة النخبة السياسية على إنتاج بدائل في الخطاب السياسي تقود الدولة والمواطن لا محالة إلى الهاوية وانسداد الأفق، وربما يزداد الأمر تعقيدا ونسمع هنا وهناك عن تشكيك في العملية الديمقراطية واستعدادات لإجبار الجميع على قبول ركوب المحراث (التراكتور بالدارجة).
أما عند الحديث عن الثقافة و الحضارة والهوية المغربية، فيكفيك أن تستمع إلى بعض من كلمات الأغنية المغربية، لتطرب الأذن بآخر صيحات الكلمات البذيئة والسب والشتم، كما يمكنك أن تتأمل حال الشباب وهو خارج من ملاعب كرة القدم يردد أناشيد العنف والدم يتحرك جماعات كوحوش آدمية لا تحمل أي وازع أخلاقي أو حضاري أو هوياتي.
لا شيء تغير، هذه هي الحقيقة دون مناورة أو تجميل، وكل المجالات الحيوية في المجتمع تزداد سوءا بعد سوء، الأمر الذي أصبح يفرض على كافة المؤسسات أن تقوم بنقد ذاتي موضوعي، حتى تتمكن من رؤية المشهد على حقيقته دون عمليات تجميل فاشلة، من خلال الاعتماد على سواعد وأدمغة شباب الوطن أبناء الطبقات الشعبية، القادرين وحدهم تحقيق المعجزة في تحويل اليأس إلى أمل، والكابوس إلى حلم، والسكتة الدماغية إلى نهضة مغربية.

الأستاذ إسحاق شارية

الاخبار العاجلة