أعلم أنكم يا ملك البلاد محمد السادس على اطلاع بما يجري في الحسيمة ونواحيها ثانية بثانية منذ ستة أشهر عبر التقارير التي تُرفع لجنابكم من طرف أعوان الداخلية والمراقبين والأمنيين الذين يملؤون فنادق ومقاهي وأحياء المدينة وعبر الإعلام الذي ينشر عن شباب الحراك والاحتجاجات، ولربما عبر تدوينات وفيديوهات الشباب أنفسهم عبر مواقع التواصل والاجتماعي والتي غالبا ما تكون رد فعل آني لضغط وتعنيف نفسي وجسدي عميقين.. ولكني، ورغم ما لقيته مبادرتي العفوية من سخرية واستصغار وتشكيك من صحافيين وسياسيين كان الأجدر بهم هم أنفسهم التنقل إلى عين المكان وكشف الحقيقة وتصحيح المغالطات كي نعمل جميعا على توحيد الصف ودرء الصدع ومداواة الجرح.. أعلم عين اليقين أن محمد السادس الشخص والرجل قبل الملك هو من التواضع والسماحة الذي أشهدتموناه وحدثني عنه أبناء الحسيمة أنفسهم عاينوه عند كل اصطياف لكم في المدينة، ومن النُّبل بأن ترحبوا بالحقيقة من كاتبة رأي بادرت بتلقائية وعفوية إلى السفر ووجدت أن أغلب ما تم الترويج له عن الشباب وذاك الحراك أغلاط، وأن التصعيد لمواجهته كارثة، لم نفهم بعد هل هي نتاج سوء فهم النظام واندفاعه خوفا من الفتنة، أم أنها أغلاط مقصودة لإشعال الوضع. وقد احترت في فهمه كما احتار شباب الحراك..
نعم مطالب ساكنة الحسيمة يا ملك البلاد مماثلة لمطالب ساكنة باقي الجهات هي اقتصادية اجتماعية بالدرجة الأولى، لكنها بالريف تأخذ منحى غريبا إذ عاينت أن المدينة رغم روعة طبيعتها نظافتها ونظام بناياتها وطرقاتها والمستشفى الذي يتوسطها والمقاهي والفنادق التي تؤثثها لا تتوفر على أي شيء آخر البتة، لا مصانع لا معامل لا شركات خاصة ومراكز اتصالات ولا منتجعات ولا مكاتب ولا محلات فرانشايز ولا أي شيء يوفر فرصة عمل لهؤلاء الشباب اللامعين الأشبه بمعادن ثمينة تحتاج الصقل. ويروج أن الدولة تمنع الاستثمار هنالك وأن أغنياء المدينة من أباطرة الحشيش أو المستثمرين مدعوون إلى الاستثمار خارجها، وباقي صغار المزارعين ينتعشون بعائداته قوت يومهم يوما بيوم، وتنتعش باقي الأسر ضعيفة المستوى المادي من مداخيل أفرادها المهاجرين نحو هولاندا وبلجيكا وإسبانيا بما يبعثونه من عملة صعبة.. فالمشكلة اليوم عند ساكنة الحسيمة ليست خبزية بالدرجة الأولى وهي المدينة الصغيرة التي غمرتني بالعطاء منذ وطأت رجلي أرضها إلى أن غادرتها ما بالنا بالتعايش والتلاحم بين أبنائها.. إنما هي مشكلة ما بعد الخبز، بمعنى ضمان حق الحياة الكريمة لكل فرد، بمعنى الاستثمار في الطبيعة والأرض والموارد البشرية دون متاجرة بهم إلى مستثمرين خارجيين خليجيين قد يجتاحونهم ويحولونهم إلى يد عاملة “هنود وباكستان” على أرضهم، ودون تحويلها إلى قبلة سياحة جنسية ترهقهم وترهق بناتهم وأطفالهم، ودون إغراقها بالمشاريع الفوقية كما يقع في الداخل حين يتم تشييد القطار فائق السرعة فوق دور الصفيح.. هم يطالبون هنالك بالحياة الطبيعية بمعنى إنعاش اقتصاد المدينة ونواحيها وضواحيها باستغلال جماليتها وتوفير عائدات لساكنتها ومدارس وجامعات ومستوصفات مجهزة كما جهز المغرب بكرمه دول إفريقيا جنوب الصحراء، ثم ترْكُهم على طبيعتهم وترْكُها على بساطتها، وفي مقدمة المطالب لإعادة طبيعة المنطقة كمدينة مدنية سلمية إنهاء العسكرة وتلك الثكنات المدججة بالآلات الحربية وكأن ريافة مع المخزن في حرب…
فالأمر أيضا يا ملك البلاد محمد السادس، هو أمر هوية.. مجروحة منذ عقود جرحا لم يندمل، يستشعرون خوف النظام المخزني منها وكأن الاحتفاء بها وتكريمها وتدوينها وتدشين مزارات ومعارض ومتاحف لأسماء رموزها وعبق تاريخها ورونق نضالها وجثمان “مولاي محند” كما يسمونه الشهيد عبد الكريم الخطابي أن يعود إلى أحضانها.. وكأنه تهديد للهوية الجماعية للشعب المغربي الأبي. وهو ليس كذلك، ولا علمهم الريفي أو الأمازيغي تهديد للمغرب، إن كانت كل فرقة كروية تملك علما لها ما بالنا بهوية، ماذا إن كانت لها خصوصية، وقوة، وصخب، وأنفة، وعزة، ونخوة يأبون التخلي عنها، لماذا طالما استشعرنا العقدة أو التهديد منها وأنا ؤأكد أن معانقتها تجديد لهوية المغاربة ككل وإعلاء لعلم وراية المغرب وانتعاش للوحدة الترابية. وؤأكد لمحمد السادس الملك، وقد التقيت بناصر الزفزافي ذاك الشاب البسيط المتواضع الذي استطاع بلهجته الريفية الجارحة المعبرة عن ألم الماضي والحاضر أن يكسب ثقة كل الساكنة حتى منتقديه الذين لا يشككون قيد أنملة في نقاء سريرته وطهر جيوبه من التخوين والعمالة والاسترزاق الداخلي أو الخارجي، أنه هو ومن معه من شباب الحراك لا دعوى انفصالية لهم البتة، وأني كما قلت بداية المقال إنما لهجتهم الشرسة المتخطية في كثير من الأحيان لحدود ما نسميه بالمقدسات إنما ردود آنية على الضرب والشتم والجرح والإهانة التي تلقوا غير ما مرة على يد رعاة الأمن وحراس الأمان!! وأن ناصر الزفزافي وقد قال لي حرفيا: “لا كلام إلا مع الملك، ولا نثق فيمن دونه”، إنما توكيد يا ملك البلاد محمد السادس لالتحام هذا الشعب بالمؤسسة الملكية، رفعة لها لا العكس، وتشكيكنا وإفقادنا شرعية ما دونها من معينين ومنتخبين ودكاكين سياسية ودكاكين حقوقية تسترزق بمآسي البلاد والعباد…
ناصر ومن معه من شباب يا ملك البلاد يريدون الحديث إلى ملك البلاد متأكدين أن ما يصلكم من تقارير عنهم أغلبها مغلوطة مهولة مضخمة ملغمة، هؤلاء الشباب لم يفهموا سبب تعنت الدولة مع بساطة المطالب، عن الإعلام الذي أقفل بابه في حين يحوم الإعلام الغربي عليهم ليلتقط منهم ومن الوضع ما يشعل الجمر، يتساءلون هل هو غباء مفرط من خدام للنظام الذي في يده الماء والدواء لإسكات الغضب، غباء أشبة بغباء محاولة إسقاط حزب العدالة والتنمية بالمسيرة ضد أخونة الدولة التي أكسبته تعاطفا أكثر، وتعنتها مع هذا الحراك الذي يكسبه توسعا أكبر من الحسيمة إلى النواحي والله يعلم إلى أين سينتهي، غباء من طرفهم جعلكم يا جلالة الملك ضمن شعارات الحراك على يد خدام الداخلية حين رفعوا: “الزفزافي يا جبان الملك لا يهان”، ووضعوكم في نفس كفة مناضل بسيط كما قال لي الزفزافي بفمه بدل أن يعرفوا احترام المراتب والأدوار… أم أنه خبث مفرط من طرف أشخاص داخل دواليب الدولة، وقد قال لي الساكنة أسماء لن أكررها، محاولة خلق مسرح كديم إزيك آخر، حيث رجال الشرطة يموتون هذه المرة ليس على يد انفصاليين، إنما بأيدي مجهولة (…) ويتم إلصاق الدماء بيد شباب الحسيمة البسيط الوطني واقتياده واعتقاله باسم الانفصالي حتى تشتعل الحرائق في المنطقة ليستفيد من له رغبة في أن يستفيد (…) وقد أمروهم يوما بالاعتصام وعدم مغادرة الساحات وأبى ناصر وشباب الحراك إقحام أنفسهم في حروب بئيسة ستدخل الجميع في نفق مظلم. أم أنها أجندة دولة ونظام، أذكى من كل ما نظن، كما يتساءل الناس هناك، لتحويلهم إلى انفصاليين رغما عنهم، وتأزيم المنطقة رغما عنهم، وتوسيع التأزيم لجهات أخرى لخلق نظام فيدرالي في البلد! هم مفزوعون من هذه السيناريوهات ومبقون على تمغربييت حضن تريفيت، الناس في الحسيمة هدفهم ليس الاحتجاج ومطاحنة المخزن، إنما هدفهم 3: ظهير لإنهاء العسكرة، فتح نقاش مع أكفاء الريف لسن بداية مشاريع تنمية، حرية ثقافية للاحتفاء بهوية.
وهذه الاستجابة لن تفتح النار على باقي جهات المغرب بأن يقوم الآخرون بالاحتجاج، إنما بالعكس هي فتح بشائر الخير بأن الملك يستجيب للشعب وأن للنظام حسن نية قومة اقتصادية ثقافية في ربوع المغرب.
يا ملك البلاد محمد السادس، ملك الشباب الذي لاصقتك هذه الصفة وستظل معك حتى بعد أرذل العمر إن شاء الله، يرى فيك هؤلاء الشباب رجل المغرب الوحيد الأهل للثقة، ولحل الأزمة، ويرفضون أن ترسل لهم الداخلية ثعالبها تحوم وتجول وتعد بالكذب. يرون فيك الاستجابة لتلك المطالب التي يتعهدون بأن الشروع فيها سيدخلهم بيوتهم، وسيذهب ناصر ورفاقه ليعيشوا حيواتهم الشخصية في سلم وأمان، فلا غرض لهم في زعامة ولا هي مسألة تضخم الأنا كما هي لدى السياسيين، إنهم متواضعون وليس في أنفسهم سوى شموخ الريف الذي يحلمون، في عهدك، عهد محمد السادس، العهد الجديد، أن يحيي هذا الشموخ، أن يأتي بالترياق بيديك تسد الجرح وتخفي أثره، وبكلماتك وخطابك تريح النفوس المتألمة منذ سنوات الجمر والرصاص، وبتدشيناتك تحيي المنطقة.. بعد تنظيفها من ثعالب السياسة والارتزاق. قلت في خطابك أن على الشعب فضح الفساد، وقالوا لي لقد فعلنا لماذ القمع يا مايسة. قلت لهم سأبلغ الرسالة.. هي رسالة بلغتها كما هي.. وأنا الواثقة بأن تكبر الكل عنها وسخرية الكل منها من إعلاميين ونخب النخب، سيلاقيه تواضع وحِلم واستجابة ملك.