بعد حراك عشرين فبراير، كسر الشعب المغربي حاجز الخوف من الخروج إلى الشارع للإحتجاج ضد سياسة الدولة التي تنخر جيوبهم أو تحرمهم من حقوقهم الدستورية والكونية. وكان لربيع العربي الفضل الكبير في كسر قيود الخوف ضد الأنظمة المستبدة. وبالرغم من أن ربيع العربي تحول إلى الخريف فتساقطت القنابل على الشعوب العربية، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الخروج للإحتجاج طالقين العنان لأعلى صيحات والشعارات التي تهدد المخزن وحاشيته.ولعل هذا ظاهر للعيان ونحن نعيش على واقع احتجاجات في مدينة الحسيمة منذ ستة أشهر على إثر مقتل فكري باءع سمك بعدما تم دهسه بواسطة ألة الضغط الأزبال بتواطىء من شرطة. وبرغم أن الحادث كان يمكن تجاوزه لأن مثل هذه الحوادث تكررت في مدن عدة وانتهت إما بإقالة موظف الدولة أو إحالته على التقاعد. إلا أن هذا الحادث لم يمر مرور الكرام نظرا لحساسية المنطقة وتاريخها الأسود مع المخزن. فشكل بذلك مقتل محسن فكري شرارة إنطلاق إحتجاجات ضخمة عبر أنحاء المدينة مطالبين بالقصاص وفرصة لتصفية حسابات قديمة مع الدولة وفرصة كذلك لرفع الحيف والظلم والتهميش عن المنطقة. وبما أن هذه الإحتجاجات استمرت زهاء ستة أشهر أظهرت من خلالها تأطير وتنظيم منقطع النظير مع الحفاظ على سلمية الشكل، أعطت من خلالها شعارات هزت أركان خدام الدولة، وسالت لعاب الكادحين المتشوقين إلى التغيير والتعبير، إلا أن استمرار هذا الشكل الإحتجاجي ازعج صانعي القرار في المغرب فعجل بهم نحو اجتماع مغلق في المركز من أجل البحث عن حلول من أجل إطفاء هذا لهب الذي يهدد كعكتهم. فقامت بذلك الدولة بإرسال وفد حكومي للمنطقة من أجل إعطاء الوعود لأبناء المنطقة على أنه سيتم تلبية ملفهم المطلبي في أقرب الأجال. وبما أن سجل الدولة معروف بنكران الوعود، وتجاوب الغير المقنع، جعل أبناء الريف يصعدون من شكلهم الإحتجاجي لأنهم يعلمون أن نية الدولة ليس هو تهدءة الخواطر بل الحفاظ على هيبتها ومصالح خدامها. لأن غلق باب واحد سيجرها نحو غلق ابواب عدة في باقي مناطق الدولة، فتدخل في دوامة ستجعل مصالح خدامها مهددة. مما جعلها تفكر في إخراج بطاقتها التقليدية ونهج سياستها المعهودة عوض نهج مقاربات تنموية واجتماعية معقولة وفتح باب الحوار مع زعماء الحراك. فبدأت بتجييش قنواتها الإعلامية والمؤسسات الدينية من أجل نسف الحراك ونهج سياسة فرق تسد وإطلاق حملة تخوين ضد زعماء الحراك وحصر المنطقة بالقوات العمومية ووضعها في أهب الإستعداد لتدخل في أي وقت ممكن. فنتشر بذلك الرعب في المنطقة، لكن هذا الرعب تحول لشحنات إيجابية جعلت المدينة تخرج بتظاهرة مليونية حاملين شعارات الريف لا يركع، فأرعبت هياكل الدولة ونسفت كل خططهم وجعلتهم يرتبون أوراقهم. فبدأت بذلك الدولة تبحث عن المصيدة التي ستنهي بها هذا النزيف. فكان من حسن حظها يوم الجمعة لما قام زعيم الحراك ناصر زفزافي بالوقوف ضد الإمام في خطبة يوم الجمعة عندما نعت أبناءالريف بألفاظ استفزت المصلين مشددا عليهم بعد الخروج لتظاهر لما في ذلك فتنة للبلاد والعباد. فوقف زعيم الحراك ضد الإمام محتجا عن الخطبة التي انحرفت عن قصدها الديني وأصبحت فس قالب سياسي مستفز تلوم أبناء المنطقة عن فعلتهم هذا حادث أثلج صدر المخزن فستنفر أجهزته المخابراتية والأمنية والإعلامية فبدأ بحملة إعتقالات طالت شباب المدينة بحجة تدنيس مكان العبادة وتحريض الناس على الدولة والمس بأمن الدولة ومقدسانها وبعض التهم السخيفة ولحد كتابة هذه الأسطر تم اعتقال زعماء الحراك بما فيهم الزفزافي العنصر البارز. وقمع الاحتجاجات التي تطالب بإطلاق المعتقلين وإطلاق حملة إعلامية شرسة ضد هؤلاء الشبان من أجل تبرير قمعها بل وصل بالمخزن إلى الوقاحة الأخلاقية فأصبح ينشر بعض الصور الخاصة لزعماء الحراك وتخوينهم عن طريق الإعلام، وذلك من أجل جمع عدد أكبر من تعاطف الشعبي حتى تنهي هذا النزيف الذي يهدد وجود المخزن وكيانه. ومن خلال هذه الممارسات عدنا لسنوات الرصاص الي نهجتها الدولة ضد معارضيها إبان حكم الحسن الثاني. وأصبحنا نعيش على وقع الإعتقالات القسرية والتعذيب. وبذلك ظهر الوجه الحقيقي للدولة المغربية التي تم طلاءه زهاء ثمانية عشر سنة بشعارات جوفاء، من قبيل دولة القانون وحقوق الإنسان، وقطع الصلة مع الماضي من خلال تأسيس مجلس الإنصاف والمصالحة ، والعهد الجديد.
عدنا إلى سنوات الجمر والعود محمود.
كل هذا جعلنا نتساءل: عن أي مصالحة تقصد به الدولة؟ وهل فعلا يعيش الشعب المغربي عدلا قبل الإنصاف ؟ وإلى أي حد سيستمر المخزن في سياسته المكيافيلية المستبدة ضد أبناء هذا الوطن الجريح؟ وهل نعيش على واقع حراك يصلح ما أفسده الربيع؟ ام اننا بصدد ظاهرة ستنتهي عند زمان ومكان محدد؟