نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا للباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية بنجامين أوجي، كشف فيه عن بعض وسائل الضغط التي تستخدمها المملكة العربية السعودية؛ من أجل ابتزاز دول إفريقية وإجبارها على مجاراتها في قرارها بقطع العلاقات مع قطر، في ظل إصرار بعض هذه الدول على الوقوف في وجه هذه الضغوطات.
وقالت الصحيفة، إن الرياض تقوم بمساعي محمومة لإقناع دول إفريقية بمقاطعة دولة قطر، وقد استسلمت إلى حد الآن سبع دول لهذه الضغوطات، فيما لا تزال دول أخرى ترفض الانصياع لهذا القرار. في الأثناء، تواصل الرياض مساعيها في كل مكان لحشد الدعم بكل الطرق، وقد شملت هذه المساعي القارة السمراء.
وذكرت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، أن سبع دول إفريقية انصاعت لحد الآن، وقطعت علاقاتها مع قطر، وهي: النيجر، وموريتانيا، والسينغال، وتشاد، ومصر، وجزر القمر، وموريس. أما دولة جيبوتي، فقد اكتفت بخفض التمثيل الدبلوماسي للدوحة؛ خوفا من تبعات أي قرار ستتخذه على ملف صراعها مع أريتريا الذي تلعب فيه قطر دورا حاسما.
وبحسب الصحيفة، فإن السعودية تستخدم أسلحة مهمة من أجل ابتزاز هذه الدول، حيث إن رؤساء الدول الإفريقية التي تعيش فيها أغلبية مسلمة، أو توجد بها أماكن عبادة ومؤسسات دينية تسيطر عليها السعودية عبر مؤسسات خيرية، تعرضوا لضغوط هائلة منذ اندلاع الأزمة في الخليج، وتهديدات صريحة من أجل الانضمام إليها، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وفرض حصار بري وجوي عليها.
وأكدت الصحيفة أن الرياض استخدمت سفراءها في العواصم الإفريقية، وأرسلت مبعوثين خاصين؛ من أجل إقناع الزعماء الأفارقة بالتخلي عن الحياد، واتخاذ موقف مساند لها، ووضعتهم أمام خيار واحد، هو سحب سفرائهم من الدوحة.
وتضيف الصحيفة أن السعودية استخدمت وسيلتين للضغط؛ أولاهما الدعم المالي الضخم الذي يمكن أن تقدمه لهذه الدول، وثانيتهما التهديد بعرقلة حصول مواطني هذه الدول على تأشيرات العمرة والحج.
وأثمرت هذه الضغوطات التي تمارسها السعودية منذ الأيام الأولى، خاصة مع الدول التي وجدت نفسها في وضع صعب من الناحية الاقتصادية والسياسية. كما أن دول أخرى لا تجمعها علاقات طيبة مع قطر منذ البداية لم تتردد أيضا في الانضمام إلى جوقة المقاطعين.
ونبهت الصحيفة إلى أن قرارات المقاطعة وسحب السفراء، التي اتخذتها هذه الدول، تمت دون التشاور مع الحكومات أو الوزراء أو مع وزراء الشؤون الخارجية.
وأشارت الصحيفة من جهة أخرى إلى أن بعض الدول الإفريقية الأخرى وقفت في وجه الضغوط السعودية، رغم أنها تضم أغلبية مسلمة. وتأتي في مقدمة هذه الدول بلدان المغرب العربي؛ المغرب والجزائر وتونس، بالإضافة إلى السودان والصومال اللتين تمسكتا بالحياد، ودعتا إلى الحوار.
واعتبرت الصحيفة أن وضع نيجيريا يبقى الأكثر خصوصية ولفتا للانتباه؛ حيث إن عدد المسلمين فيها هو الأعلى في إفريقيا إلى جانب مصر. وكان الرئيس السابق غودلاك جوناثان فتح تمثيلية دبلوماسية في الدوحة في 2013، وجمعت بين البلدين علاقات طيبة تحت مظلة الأوبك.
كما أن نيجيريا تجمعها أيضا علاقات طيبة مع العربية السعودية، حيث إن رئيسها الحالي محمدو بوخاري كان زار الرياض في شباط/ فبراير 2016 قبل تحوله إلى الدوحة. ويعرف الرئيس بوخاري بأنه لا يخضع للضغوطات الخارجية، حيث إنه خلال القمة الأخيرة التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزعماء خمسين بلدا سنيا، اكتفت نيجيريا ببعث بعض الوزراء، رغم أن بقية الدول أرسلت رؤساءها.
وأكدت الصحيفة أن الرئيس النيجيري محمدو بوخاري، إلى جانب نائبه ييمي أوسنباجو، يرفضان الخضوع لأي إملاءات خارجية من السعودية، ولا يريدان أن يجعلا من بلدهما رهينة لرغبات أي بلد أجنبي في الصراعات الدولية. كما أن هنالك خشية في نيجيريا من أن يغذي هذا الصراع الانقسامات الداخلية في البلاد، حيث إن جزءا هاما من الشعب يعتنق المسيحية، ويرفض اعتبار بلاده دولة مسلمة.
وأكدت الصحيفة أن قطر لم تتمكن من تجنب قرار قطع العلاقات مع هذه الدول الإفريقية؛ لأنها كانت في الواقع تركز كل جهودها على الحفاظ على علاقاتها مع الدول الكبرى والدول العربية؛ إذ إن جزءا هاما من ممثليها الدبلوماسيين في إفريقيا كانوا قد عادوا قبل أسبوعين للدوحة لقضاء شهر رمضان، والمبعوثون الخاصون الذين أرسلهم الأمير تميم بن حمد آل ثاني كانت جهودهم مركزة على الدول ذات الثقل الكبير في العالم الغربي والعربي.
وختاما، أكدت الصحيفة أن قطر نجحت خلال السنوات العشر الماضية في ربط علاقات قوية مع الدول الإفريقية، خاصة منها الفقيرة والضعيفة؛ عبر تشجيعها على فتح سفارات في الدوحة؛ ولذلك فإن الحكومة القطرية واثقة من أنها على المدى المتوسط ستنجح في إعادة العلاقات مع مختلف هذه الدول التي وقعت فريسة للتهديدات السعودية.