كعادتها لم تكلف بعض الأقلام المأجورة ، والصفحات الفايسبوكية الرخيصة ، والمواقع الالكترونية الرذيئة ، والجمعيات التي تقتات من آهات الناس ، نفسها عناء البحث وتقصي الحقائق ، فانطلقت تعوي كعادتها تبحث كل يوم عن سبب وقصة تروي بها تعطشها للظهور والركوب على آلام الناس واختلاق الأحداث وافتعال القلاقل ، لغرض في نفس يعقوب .
فقصة عبد الفتاح الوادي كما روتها لنا ليست كما هي في الواقع ، فالرجل نعم يعيش اليوم أوضاع جد مزرية لا انسانية حاطة من الكرامة ، ويتخد من سيارة مهترئة مسكنا له ، ومن مكان خال مأوى له ، بعدما رمته تقلبات الدهر في موضع لم يختره أبدا ،
لكن جزءا من القصة التي أرادت هذه الأطراف أن تجعله مثيرا أخفته قصدا حتى لا يسائلها أحد أين كنت في السابق ؟ وما هو دورك الاعلامي أو الجمعوي حتى تتبجحي اليوم بنقل الحقيقة أو الدفاع عن هذه الحالة الإنسانية ، لكي تسترزق مرة أخرى كعادتك من وراء قصة الرجل المؤلمة .
فالرجل كان يخضع قبل حالته هذه لعناية طبية محترمة بالمركب الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ، بعدما تدخلت على خط حالته الانسانية جمعية “جميعا من أجل المستعجلات” ، وأشرفت هي وأطرها على تهييء ظروف علاج مناسب لحالته ، فهو الذي بثرت قدماه اضطرارا نظرا للحالة الصحية الصعبة التي كان عليها تحت تأثير مرض السكري المزمن ، وقامت ذات الجمعية أيضا بتوفير كل مستلزمات المأكل والمشرب والملبس للسيد عبد الفتاح الوادي ، بعدما أشرفت هي والأطر التابعة لها على إحاطة حالته بكثير من العطف والرعاية والإهتمام ..بتعاون مباشر مع إدارة المركب الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني بفاس في شخص مديره العام البروفيسور خالد آيت الطالب .
بعدها سيلج السيد عبد الفتاح الوادي مركز المسنين باب الخوخة ، حفاظا على كرامته واحتراما لإنسانيته ، التي تلاشت وهو يلتحف السماء ويفترش الأرض في خلاء عار .
لكن شاءت الأقدار أن يرفض السيد عبد الفتاح الوادي جدران هذا المركز ، ليفر بعدها منه ، ويعود لمكان الخلاء الذي كان يبيث فيه ، متخدا من ذات السيارة مأوى له من جديد .
حالة عبد الفتاح الوادي ليست وليدة البارحة ، بل تجتر أكثر من ثلاث سنوات من المعاناة والحرمان والإقصاء ، حتى أنه أصبح معروفا لذا ساكنة فاس ، فلقد عاش التشرد قبل ذلك قرب محطة القطار فاس ، والكل يعرفه هناك ويطلع صباح مساء على حالته ، كما أن ساكنة منطقة أولاد الطيب تعرف الرجل جيدا ، فلقد عاش التشرد هناك أيضا ، كما عاش التشرد بمنطقة الدكارات ومناطق أخرى ..
فلماذا كانت هذه الجمعيات والأبواق الاعلامية المشبوهة حينها على غفلة من حالته ، ولماذا لم تتحرك إلا لحدود اللحظة ؟ ، أم أن في الأمر شيئا ، ربما يجد أساسه في كون بعض الوجوه الجمعوية قد دبلت وأسودت من فرط بيعها وشرائها في ذمم المستضعفين ، فصارت تبحث اليوم عن حالة انسانية هنا وهناك تستعيد بها وعبرها حضورها و بريقها المنطفئ.