عدم التقيد بالقوانين وتنفيذها يعد من الأعطاب التي تعرقل مواصلة مسلسل الإصلاحات في المغرب عموماو مدينة فاس خصوصا. إن بقاء السلطات القضائية والإدارية في موقف المتفرج، إزاء ظواهر وتجاوزات متعددة، يؤثرا سلبا على نفسية المواطن الفاسي، بل يزرع ويغذي روح التشكيك لديه… مسألة الاحتلال العشوائي للملك العمومي هي واحدة من هذه المظاهر التي تؤرق المواطنين،
ومن جهتنا نسائل ضمير من أسندت لهم مسؤولية السهر على سلامة تطبيق القوانين. في مناسبات كثيرة،و على امتداد مدن ومناطق الوطن، تابع المواطنون حملات ضد احتلال الملك العمومي، قادتها السلطات الادارية و الجماعية والأمنية على مستوى فاس سايس، بيدو أن الوقائع أكدت أن هذه الحملات لم تخرج عن كونها موسمية و وسيلة لدر الرماد في عيون المحتجين والمستائين من تفشي ظاهرة الاحتلال… وفي كل مرة يتكرر طرح السؤال التالي: ما الجدوى من وضع قوانين لا تحترم؟…
فمجرد التمعن في أسباب احتلال الملك العام تجد ثلاثة أسباب رئيسية أولها المحتل و هو الشخص الذي يجهر من خلال سلوكه بأن مصلحته الشخصية أهم من المصلحة العامة ، و حب المال و الجشع دفعاه لسرقة مساحة أرضية في ملكية العامة و على سبيل المثال لا الحصر تشييد أكشاك بتراب مونفلوري بفاس بدون رخص و فوق مساحات أرضية عامة الشيء الذي حرك السلطات المحلية في شخص قائد الزهور السيد منير المديني لاقتلاعها من أماكنها، و بالتالي فالمحتل للملك العام هو شخص لا يتمتع بخصلة نكران الذات ، و لذلك فاحتلال شخص ما للملك العام مؤشر قوي على أنه لا يصلح للمسؤولية أو ممارسة السياسة ، و على المواطنين الأخد بعين الإعتبار هذه النقطة و إن كانت بسيطة ، إلا أن دلالاتها عميقة .
و ثانيا السماسرة حيث تجد صاحب أموال له محل تجاري في سلعة معينة و يأتي بأفراد من عائلته من القرى المجاورة و البوادي و يعمل على تجهيز عربات مجرورة أو ما تسمى بالكروسة و يدفعهم للخروج و التجول بأحياء المدينة لضمان رزق أوفر من محله التجاري . حيث تجد سمسارا من أصحاب الشكارة يعمل لديه أكثر من عشرة أشخاص مجهزين بعربات مجرورة و الانتشار في شوارع و أزقة الحاضرة الإدريسية بثمن يصل إلى خمسون درهما في اليوم و في ضرب سارخ لاحتلال الملك العمومي و عدم احترام مدونة الشغل حيث أصبح الأمر غير مقبول، و غير طبيعي ويحتاج إلى مقاربة شمولية، فحتى المدينة لا تستفيد من هذه العملية على مستوى مداخيلها، لأنه لا يتم تزويد خزينة فاس بأي درهم من هذه العملية.
أما السبب الثالث فهو المواطن و إن كان الأكثر تضررا من الظاهرة إلا أنه يشارك في إنجاح مشروع المقهى المترامي على ملك العامة فمثلا منذ مطلع الأسبوع الحالي شن قائد النرجس السيد عادل الساخي حملة لتحرير الأرصفة من كراسي و طاولات المقاهي المخالفة إلا أن الزبائن أبوا أن يجلسوا على باحات هذه المقاهي و أقل من ساعات تحدى صاحب المقهى السلطات و ووزع الكراسي في الرصيف كأن شيئا لم يكن .
و في آخر المطاف المقهى مشروع تجاري يسعى لجلب الزبائن (مواطنين ) ، فحينما يرتاد المواطن على هاته المقاهي و بالخصوص في المنطقة المحتلة ، فهو يزكي الظاهرة و يمدها بالقوة و المشروعية ، و لولا نجاح أول مقهى محتل للملك العام بفضل المواطنين كزبائن ، لما فكر باقي المحتلين في فكرة مقاهي الإحتلال ، و بالتالي فضعف الوعي لدى جل المواطنين يساهم في تقوية الظاهرة و إنتشارها لا سيما أن القضاء على هذه الظاهرة يبقى رهين بمواقفهم منها ، و المقاطعة هي السلوك الأنجع و الأبسط اتجاه هذه الظاهرة .
فعلى السلطة أن ترصد كل مخالفة ضد قوانين التهيئة الحضرية من احتلال للأرصفة و الشوارع و الحدائق و أراضي الملك العام … لكن الواقع يسجل حالات نادرة لمقاهي تحترم الملك العام ، لأن جل المقاهي تتبنى مبدأ الإحتلال كأنه شرط من شروط تشييد مشروع المقهى ، و هذا إن دل ، إنما يدل على أن السلطات يا إما غائبة أو غير موجودة ، أو أنها تسترزق من عوينة الملك العمومي عبر الرشاوي في أبسط الحالات و هنا (ليس الكل بطبيعة الحال ) و لكن نأخذ خليفة قائد الملحقة الإدارية الزهور كمثال .
فهل ستتحرك السلطات المحلية بفاس عامة و بشكل عاجل لاسترجاع الملك العام المحتل، وإنقاذ هذه المدينة التي كانت مثالا في التنظيم والاستقرار من هذه الفوضى العارمة و الضرب بيد من حديد على كل المخالفين من أصحاب النفوذ أم أنها ستبقى تتغول على الفقراء و البسطاء .