قلم: سفيان صهران
أنا ابن المغرب العميق. أنا ذلك الطفل الذي لم يكلّف دولتهُ مصاريف الفحص الروتيني الذي تقوم به الحوامل عادة طوال فترة الحمل، لم يرحب بهِ سواء عائلته، ولم يسمع أحد صرختهُ أثناء وضع رأسه في هذا العالم، ليس لأنه وُلد أبكماً إنّما، هم من جعلوه يبدوا كذلك حتى يبقى صامتاً ساكنا،ً لا حول له ولا قوة، وحتى يقتصر دوره في هذه الحياة في تلك اللحظة التي يحمل فيها قلما بيدٍ ملأتها التشققات والتجاعيد، ويضع علامة على رمز يزدَادُ بهَا غوصاً وانحداراً في جوف المعاناة، ويرتقي بها غيره درجات أو بالأحرى أن يسخر لسانه لترديد “العام زين” وكفى!!
أنا ابن “المغرب العميق” لكني، سأكبر يوماً وستعلم أمي و أبي أنني لم أعد ذلك الطفل الذي تمكن البرد منه مستغلاً مأواه الهش الذي نحته على الجبال.. وحوّل جسده إلى مومياء متصلّب يرتعش ليلاً و نهاراً..ولم يجد ما يلعب به سوى عجلة يدفعها إلى الأمام تم يتبعها ركضا، بعد أن حرم من أبخس دمية أو سيارة بلاستيكية أو حتى تلك التي يرميها أبناءهم في سلة القمامة.
أنا ابن “المغرب العميق” لكني، سأصبح يوما رجل وسأغادر الكهوف و الجبال التي كانت تحضُنني ليس لأنني شبعت منها أو لم أعد أحبها، إنما بحثاً عن حياة أفضل.. ورغبتي في تحسين أوضاعي المعيشية ولو بنسبية..ولمَا لاَ؟ مقاسمة الرفاهية معهم!!
أنا ابن “المغرب العميق” لكنني، سأدرسُ وسأحقّق حلمي، وسأسعِد كل من كان يشجعني، يدعمني، يساعدني و ينصحني.. سأبين لهم أن المرء لا ينتهي عند الخسارة، وأن النهاية لاَ تكون إلا مع الانسحاب..سأصرخ في أوجههم وسأتمرد على أصواتهم.. سأكد لهم أنني ورغم جسدي السقيم والهزيل، وإن كانت هناك ظروف تريد أن ترديني مقتولاً أو خاسراً أو أسيراً..سأكد لهم أنني لست بالمغفل حتى تنَالوا منّي بتلك السهولة.. وأن ولادتي ونشأتي في مكان صعَب عليكم الوصول إليه تارة برغبتكم في استمرار إهماله و إقصائه، وانعدام المسالك التي تؤدي إليه تارة آخري..كل هذه العوامل حجَبت عنكم أن تعرفوا من هو ابن “المغرب العميق”!
أنا “ابن المغرب العميق” لكنني سأصبح أستاذًا، أو مهندساً أو صحفياً أو محامياً..ولن أقبل بأبسط الوظائف وأبخسها..ولن أقبل أيضاً أن أجتث على ركبتي وأركع لهم، بينما شخص أخر في يده سلاح، وقد يضغط على الزناد في أية لحظة ليرديني جثة هامدة..سأكمل طريقي أعلم أنها محفوفة بالمخاطر وغير معبدة، وهذا إن وجدت أصلا..سأشرع بتطبيق مخططتي التي أنجزتها معتمدا على مقاييس الأمل والمثابرة و الدعاء..وسأُنزِل تدريجياً أحلامي الوردية كما صورتها وكلّما أعددت لها أو لجزء منها مرقداً، وسأحرص على أن تتأقلم مع واقعي المرير حتى لاَ تتبخر وتحترق بنيرانهم..وسأحرص على أن أكون في قلوبهم حرقة و في أحلاقهم غصة.
. أنا ابن “المغرب العميق” أخذت القلم لأكتب عن معاناتي الكثيرة..لأكتب عن الإقصاء والتهميش وأطالب بحقي في التدريس و التطبيب..فأجهشت بالبكاء حتى ابتلت لحيتي ومعها الورقة.