بقلم الأستاذ علي أبو رابعة
كنتُ أتناولُ – ليلةَ أمسٍ- كوباً من الشاى الساخن على عَجيجِ أَصواتِ إِرْتِطَامِ قَطراتِ مِياهِ الشتاء بالطريق المُسَفْلَت الذى كنتُ أترقبه من نافذة غرفتي ،كنتُ منزعجاً البارحةَ كثيراً ،وكيف لا أنزعج وكرامة الأمة العربية ذاتَ رداء مُمَزَّق ..قلتُ فى قرارة نفسي وأنا أشاهدُ هُطُولَ الأمطار ،كأنّى أشاهدُ فيلماً سينمائياً ،كل أرضٍ أذاها المطر سيحينُ وقتٌ فيه تصبح أرضاً يَبَساً ويابسةً أفضل مما كانت عليه بغض النظر عما أفسده المطر ..الأمر فقط يحتاج لبزوغ الشمس ..فقليلٌ من خيوط اشعة الشمس تكفى لمحو ما تركه غزو المطر للأرض بغزارة!
لكن ماذا يحدث لو لم تُشرق الشمس ..بخيوطها الحرارية ..ماذا لو أشرقت لكن دونما خيوط حرارية ؟!
نعم ،أيها المهتم بالقضية الفلسطينية ،ما أشبه قصتي بما يحدث بالقدس العاصمة الفلسطينية –مهما أنكرها الهرتزليون- ..فالذى أَغَامَ السماء بالغيم أو السحاب هم بريطانيا ثم فرنسا ثم أمريكا على التوالى الذين وضعوا قوانين ميثاق الأمم المتحدة ثم خالفوا إياها ..
لتكون لهم شوكة فى أَظْهُرِ العرب ،قد تكونُ صدفةً، لكنْ إحتمالاً ضعيفاً أنْ تكونَ صدفةً ..
هل كانت صدفةً حقاً ..فلننظرْ فى الأمر سوياً؟!
فى عام 1896 ظهر هرتزل متأبِّطاً كتاباً سماه “الدولة الصهيونية” فرغ منه قبل إنعقاد المؤتمر الصهيوني الأول
وللصدفة العجيبة كان المؤتمر بزعامة هرتزل –يا سبحانَ اللهِ! – في مدينة بازل بسويسرا،أثناء المؤتمر شعر السيد هرتزل بالإحباط
؛ بسبب عدم حماس أغنياء اليهود بالمساعدة في تمويل مشروعه بالعمل على إقامة وطن قومي لليهود ..
ففكر حيث بدى له معارضة كل من بالمؤتمر حتى الحاخامات, وعدم رغبة الجالية اليهودية في النزوح عن بلادهم التي استقروا فيها..
قال فى نفسه : “أنا أخطط لإقامة دولة يهودية سياسية “..
فإنتفض إنتفاضة الذى رمق عقده المرصع بالماس المفقود منذُ عقود ..مُبدياً نفس الفكرة لكن بصورة مُعدَّلة
حيثُ حوّل الموضوع من قضية سياسية إلى قضية دينية فإلتهبت وإشتعلت عواطف جماهير اليهود الحاضرة, وقد رأى أنّ فلسطين هي المكان الوحيد الذي يناسب هذه الدعوة الجديدة, باعتبارها حسب ما تقضى به عقائدهم التلمودية الباطلة (أرض الميعاد) .
مع العلم أنّه فى بادىء الامر كان يعرض فلسطين، و الأرجنتين، و أوغندا. .لإقامة دولتهم بها فى حين أنّ الفكرة كانت مشروعاً سياسياً إنّما التطرق إليه كمشروع دينيّ تم تسليط الأضواء على فلسطين لأنّها تتوافق مع ما جاء بالعهد القديم وما جاء بالمزامير ،حيث ترنَّمواْ وتزمَّرواْ بنص من المزامير (مزمور 137/605) والذي يقول : (إن نسيتك يا أورشليم فلتشل يميني، وليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك، إن لم أرفع أورشليم على قمة ابتهاجي).
فكانت الأحداث التى تعرفونها عن ظهر أيديكم ،منذ أنْ وضعت بريطانيا بذرة اليهود فى فلسطين يوم أنْ وعد بلفور فى 1917 م إلى يومنا هذا حيث تفعيل القرار الذى اتخذه البرلمان –الكونجرس- الأمريكى فى عام 1995م
بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس . .!
هؤلاء اليهود يا سادة لم يُراعواْ حتى الجميل الذى كان إبّان الفتح الإسلامي للقدس،حيث سُمِحَ لليهود بزيارة وممارسة شعائرهم الدينية بحرية في القدس من قبل الخليفة عمر بن الخطاب
بعد ما يقرب من 500 سنة من طردهم من الأراضي المقدسة من قبل الرومان. .تم طردهم طردةً مُهينةً وحشيةً وتم الابقاء على نصارى العرب ..!
وقد تدارك عمر بن الخطاب أنّ اليهود ليس لهم أى حق فى القدس فشرط في العهدة العمرية أنّه لا يسكن بإيلياء (القدس) معهم –أى النصارى- أحد من اليهود..فَعَلَ ذلك يا سادة فى زمن لا يعرف تعريفاً لمصطلح التزوير والتزييف للتاريخ !
يُضحكني فى المشهد الأخر هذه الصورة
السيد (مناجم بيجن) يقفُ مُعقّباً على خطاب الرئيس (السادات) أمام الكنيست –البرلمان الإسرائيلى- حيث قال بكل غرور وبصيغة تأكيدية على حقهم المزعوم فى القدس :
“إن حق إسرائيل في فلسطين حق أبدى تاريخي تشهد له الكتب, ومنها القرآن نفسه حيث يقول الله على لسان موسى: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين .. المائدة/ 21).
ثمّ أردف قائلاً : “إن الله فرض لنا الأرض المقدسة دون سائر الخلق فلا يجوز لأحد دينياً أن ينازعنا فيها” .
شيء مثيرٌ للضحك والإشمئزاز ..حيث نسى بيجن قوله تعالى
أن (الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.. الأعراف/128)
ونسى بيجن ما جاء في سفر (لاويون25: 23) من قول الرب في خطابه لبني إسرائيل: “والأرض لا تباع بتةً. لأنّ لي الأرض وأنتم غرباء ونزلاء عندي”.
وأخيراً نسى بيجن أنّ الذين كانوا يتبعون موسى من بنى اسرائيل فى سيناء كانواْ يخشون دخول فلسطين خوفاً من مواجهة بنى كنعان الأقوياء الأشداء ..فقولوا ” قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ”
وهذا مخالفة لأمر الله وإصرار منهم على إغاظة الله ..وأيضاً دليلاً صادقاً على أن اليهود لم يكونوا أصحاب فلسطين منذ 2000 ق.م
فأيها المهتم بالقضية الفلسطينة، متى تُشرق شمس العرب بخيوطها الحرارية الملتهبة لتشوى السيول التى جرفت ودمرت أرض فلسطين ..بقدسها ثانى القبلتين ،وثالث الحرمين ،ومكان إسراء ومعراج النبى ..؟!
متى سيثور العرب ثورةَ رجلٍ واحد جبار،ثم يقف أمام الغيم والسحاب ،ثم ينفث كلَ بُصاقه فيها إلى أنْ ينفدَ ،فتهابه السحاب بالريح الذى يُحركها ،وتَهرع بعيداًعن فاه -أو حنك – الشمس الفاغِر والشاغر بكل النيران المشتاقة لرد الكرامة ؟!