الفقير والشيخ

الحقيقة 2415 ديسمبر 2017
الفقير والشيخ

بقلم الاستاذ علي ابو رابعة
يجلسُ مستنداً ومرتكناً على حائط بيته ،-وعادةً- ما تكون إمارة الإرهاق تعلو وجهه ،فقد يظنُ المارُ عليه والناظرُ إليه -ذهاباً وإياباً- ،أنّ العوز وحياة الفاقة أرهقته ،-وأحياناً- تجعله يشعر بالنقصان وقلة الحيلة واللا بأس ،وأنَّ الكلَ يكرهه ،ويستقصيه بعيداً عنه ،وقد يتكون لديه حالة من الغضب الشديد..وقد يلجأ للسرقة وحياة الإجرام ..إنتقاماً لكرامته ،وإحياءً لأسرته !..ذلك إعتقاداً وإيماناً منه، بأن هذا هو الحل !!
الحل دوماً فى الخطاب الدينى ،الذى يقوى الوازع الدينى لدى الناس ،فتلك الصورة الماثلة أمامكم الآن لا يمحوها الا الدين ..بدعوة الناس الى أداء الزكوات
وعدم التفريط فى جنب الله ،ذلك لإلغاء حالة الطبقية المتأصلة فى أنفس الجميع .
تلك الدعوة لا تحتاج لشيخ أو داعٍ يحفظ الاحاديث والمواضيع ثم يعتلى المنبر فيستفرغ على الجالسين ما هضمه ومضغه ليلة أمس ! بل المسألة تحتاج لداعٍ مفكر محنك ..لا يُقلد أحداً ..فالوسائل العقلية للإقناع أيام البخارى وحنبل والشافعى ..ليست مشابهة بوسائل اليوم ..فالعقل دوماً فى تطور وتقدم ..فهذه طبيعة الطبيعة
ذلك لأنّ العيب من وجودِ ذهولٍ عن فهم الرسالة المحمديّة ،وحسن أدائها ؛ذلك لعدم العلم، بأنَّ المعرفة هى أساس الحياة الصحيحة ،لا المال !
بالمعارف ينتهى الفقر المادى والنفسي ..وبالتالى وجود حياة صحيحة لا سُقام فيها !
المعرفة هى تلك التى تصنع المال ..والظن بغير ذلك هزلٌ لا يشابهه ويماثله هزل .
فالفقر الحقيقى هو فقر العلم والمعرفة ..فصاحب المال لا يزهد فى الحياة الا عندما يُفكر ويتفكر ويقرأ ويتعلم !
فليكن !
نظراً لأنّ الطمع والجشع من شيم النفوس فى جميع الأعصار والأقطار والأجناس
وتلك الشيم تُعتبرُ ظلماً للنفس ،وأيضاً ظُلمُ النفس أصلٌ متأصلٌ فى جميع الأنفس
فإنَّ الله وضعَ إعتباراً لهذه المسألة والقضية ،بأنْ قال فى كتابه العزيز
:” وآتوا الزكاة ” ..وأيضاً لا تجده يذكر الصلاة إلا ويليها الزكاة .. والزكاة فُرضت من إجل إلغاء الطبقية النفسية بين الناس .
أنْ تساعد أحدهم بقليل من المال، وتلغى الطبقية النفسية، ستشعر بأنك تبث الراحة فى جنبات نفسك بيديك !
وليكنْ مرةً أخرى !
هناك فى مخيلتي صورة لا تزال كلما استحضرتها أشعر بسخنة ويغيم أمام عينى الأفق ..كنتُ قد أنهيتُ اليوم الجامعيّ ذات يوم ،فأخذتُ فى السير بعيداً عن بوابة الجامعة..لأنّه ثمة هرج ومرج يسود المكان !
فوجدتُ صدفةً رجلاً عجوزاً يحملُ فوق كتفيه كيساً كبير الحجم ،وكانت جلبابه مُمزَّقة وباليه ،ووجهه أسود من شدة إكتظاظه وإغتصاصه بالأتربة ..
قال لى بنبرة كلها توتر وحيرة :” والنبى يا ابنى وقف ليا تاكسى، وقوله يودينى بنك مصر وهديله عشرة جنية !”.
نظرتُ إليه فى دهشة ثم قولت له :”حاضر ”
وما زاد دهشتى حتى الانفجار من الغيظ..أننى كلما أوقفتُ سيارة تاكسي ،أنّه لا يريد أنْ يُوصلَ الرجل العجوز الى محطته ..ليس لأن العشرة جنيهات قليلة، بل بالعكس العشرة جنيهات أكثر من قيمة ما يستحقه السائق نتيجة توصيلته ..
لا توجد سيارة تاكسي واحدة تريد أن تقف ،فكلما رأى سائقٌ العجوزَ ،رفضَ وهربَ وفَرَّ عن ضجرٍ وتأففٍ من هيئة الرجل البسيطة ..هذا نوعٌ من الإستقصاء المجتمعي نتيجة الطبقية النفسية !
فوقف العجوز ووجهه مصاب بالضعف والوهن وقلة الحيلة واللا بأس..وأخرج العشرة جنيهات ،وأخذ يُلوّح بها الى سيارات التاكسى ،لكنْ لا أحد يستجيب ،ولا يوجد إنسان يقود، بل توجد شياطين المظاهر تحوم .. نعم ! إنهم شياطين لرغبتهم فى جعل الرجل يمرض ويتحطم نفسياً ..فيبتعد عن الله ! فلا يصلى لله مريضة نفسه ..
لكم الله ..فى زمن اشتغل فيه الشيوخ والدعاة السياسة ،واتخذوها مهنة ..ومنهم من يشترى بدين الله السياسة ..أىْ يرتدى قناع الدعوى الى الله من أجل حزبه ونصرة حزبة !.
فهم ليسواْ أصحابَ وقتٍ كافٍ من أجل إرشاد المجتمع إلى إلغاء الطبقية المجتمعية ؛لإقامة مجتمع يقوم على الحب والتسامح والأخلاق والتعاون وعلى البر والتقوى لا على العدوان والكراهية والإستحقار والفُرقة والتشرذم..! بل كل وقتهم مشغول بكيفية إعتلاء عرش الحكم ! فلكم الله حقاً .

الاخبار العاجلة