لَا لِلْإِمْعَانِ في اغْتِيَالِ الْأَشْجَار
تُحَاطُ الْمُدُنُ عادةً بأحزمةٍ خضراءَ تحافظُ على أراضيها الفلاحيةِ الخصبة، وتَحُدُّ من تَمَدُّدٍ أُفُقِيٍّ يَحُولُ دون تَمَرْكُزِهَا وتنظيمِ الْخِدْمَاتِ بها.
وتتنافسُ الدولُ في الْإِعْلَانِ عن عملياتٍ لغرس الأشجار بالملايين إِسْهَاماً في تَوْفِيرِ مصادِرَ حَيَّةٍ لِإِنْتَاجِ الأوكسجين، والْحَدِّ من الاِنْبِعاثاتِ الغازية.
ويُصَابُ الْمَرْءُ بالذُّهُولِ والْأَسَى حين يُفَاجَأُ عندنا بِمَرْأَى أَشْجَارٍ مُعَمِّرَةٍ مُثْمِرَة، مُغْتَالَةً مُلْقَاةً على الأرض، وتسْألُها: بِأَيِّ ذَنْبٍ اقْتُطِعَتْ؟ فلا تَدْرِي جواباً غير أنَّهَا لِإِرَادَةِ الْمُضَارِبِينَ أُخْضِعَتْ.
تميَّزَتْ بلادُنا بِرَصيدٍ غابوي، وغِطَاءٍ وتَنَوُّعٍ نباتي كانتْ تَعْتَدُّ به، فَإِذَا ببعضِ الغاباتِ بالْحَرَائِقِ أُتْلِفَتْ، وببعض الأشجار بالرعيِ الْجَائرِ قُتِلَتْ، وبِحُقِولٍ بِجَشَعِ الْمُسْتَثْمرين عُرِّيَتْ.
فمتى تصيرُ للشَّجَرَةِ حُرْمَتُهَا؟ ولِلْأَحْزِمَةِ الخضراءِ هَيْبَتُهَا؟ ولِلْغَابات قُدْسيتها؟
ومتى تكونُ للتصاميمِ المديرية وتصاميمِ التهيئةِ صرامتُها وفعاليتها ، ورُؤْيتُها وحصانتُها من الاستثناءِ الْمُتَجَاوِز، والْجَشَعِ الْمُضَارِب.
لَنْ تسْتَقيمَ الْأُمورُ بِغَيْرِ حزمٍ يَحُولُ دون عُدْوَانِ المعتدين، وقضاءٍ يَقْتَصُّ من المضاربين، وعملياتِ تشجيرٍ تُذْكِي الحماسَ في المتطوعين.
ناقوسُ خَطَرِ الزحفِ الْإسمنتي يَدُقّ، ونُذُرُ التَّصَحُّر، وتفاقُمِ نسبةِ تلوُّثِ الْأَجْوَاءِ تتلاحق.
فَلْنَحْتَرِسْ، وَلْنَنْتَبِهْ، حِفَاظاً على تَوازُنٍ بِيئِي كُنٌَا نَعْتَدُّ به، ولْنَحُلْ دون اختلالاتٍ تَزْحَفُ على مُدُنِنا، وتختلسُ الْأراضيَ الخصبةَ والْأَشْجَارَ الْمُثْمِرَةَ من محيطها.
عبد الحي الرايس