بقلم الأستاذ علي أبو رابعة
فى الجانب الآخر من الرواية :
كنتُ أرى أنَّ مصرَ تعيشُ عصراً مِنْ الإضمحلالِ ..إضمحلالٌ فى جودة كل شيء ،حتى فى جودة هوائها ،لكنّي كنتُ أقولُ دائماً ، فليكنْ ذلك الاضمحلال ! لكنْ شريطة ألا يعانى الشعب ذاته من إضمحلالٍ وعماءٍ فى الفكر ..لأنَّ الفكرَ هو الأملُ فى تخطى كل العقبات ؛لكشفِ كل الأمكنة المفخخَّة لإيقاعه ركوعاً وسجوداً تحت عصا العبودية ..لأنَّ بُعْدَ البصيرة سيجعله يرمقُ كل شيءٍ مُفخخِّ الأركان من على بُعد آلاف الأميال ! ..فلمستُ ذلك الاضمحلال .
هنالك مشهدٌ سينمائيٌّ سلطاناً وبرهاناً :
إذْ هُوَ :
ما فعله الشعب المصريّ بعدَ أنْ إستفاقَ منْ سكرةٍ ألغت عقله حيناً مديداً ، فأشعلوا ثورة الخامس والعشرين من يناير لعام 2011م،رفضاً لكأسِ الإستعباد بيدِ الخمَّار..ثم إستفاقَ –تالياً- فى ثورة أخرى وهى 30 يونيو لعام 2013م غضباً على ذات الكأسِ ..ثم فرح كل واحد منهم بتلك الاستفاقة المتوالية ..فشرب الخمر -تالياً- إحتفالاً بإنجازاته حتى ثَمِلَ ،لا أعرف –صراحةً- كيف شربه ؟ ومَنْ قدم إليهم ذات الكأس ؟! ..فضاع كل شيء، الانتصار كله ،لأنّ الشعبَ عاد لسكرته مجدداً وكأنّه لم يستفيق فى أى يوم..فإنتشر السقام فى جسده ،وضعف ،ثم سيطر الخوف عليه ،ذلك الخوف الذى ينتاب كل مريض حينما يخاف مواجهة من يسرق بيته ليلاً أمام عينه!
أعتقد أنّ :
تلك اللقطة السينمائيّة تأكَّدَ يقينى منها حينما رأيت قبضاً لصوت كل مثقف وكل شاب واعٍ،وخطفاً لأجسادهم ،وحملاتٍ من التشويش على كل صوتٍ شعاره أنا أفكر !..وحينما رأيتُ عدداً كبيراً من الشباب منغمسون بشدة ورهافة فى شرب الحشيش والبانجو وسلك طريق الإدمان ،حتى أصبحت عقولهم كليلةً ،وضعيفةً واهنةً، غيرَ واعيةٍ لما يحدث من حولها كل ما يهمها ماذا سأشرب اليوم؟! وممن أشترى الحشيش بالغد وبأى جودة ؟؟
فأمسي الشباب الواعى قليلاً ..فسهلٌ السيطرة عليهم بإخراسهم وإسكاتهم ،أو توبيخهم ،أو حبسهم..والباقية التى بالخارخ
لا تفقه لا تعرف لا تعلم لا تُدرك إلا تدميرَ عقولهم بيدهم اليمنى
،فلا خوف منهم ..كل ذلك لغرض واحد ،وهى عدم ضرب التحية العسكرية لرجل مدنيّ …!
أى فهذه هى الانانية وحب السلطة والمال وعشق رائحة جسدها الفاتن الفاني ..!
فذلك الجالس على العرش إما أنّه يترك زمام الامور الخاصة بتغييب الشباب لتلك الطبقة الغنية الثرية التى تخشى أنْ يأتى من يحاسبها ويراقبها ويقضى على ظاهرة التهرب الضريبي بها !
أو أنّه يساعدها ويُشاطرها الأمر ..!
ما رأيكم فى تلك الأفلام الخزعبلاتية ..لم أتصور يوماً أنْ أرى فيلماً أو رواية تُصوّر البلطجى على أنّه عظيم ..أو تصوّر الرذائل على أنها فضائل وثمت شيءٌ مريحٌ فيها، سيجده الذى يتخذها مساراً..فهذا ضد فلسفة الافلام والرواية أساساً ..!
تحاربون المخدرات ومكافحتها ..تحاربون الدعر والفجر والرذائل ..تريدون بناء دولة متحضرة وعظيمة ،تريدون نشر رفع لواء لا مصادرة على حرية الفكر والتعبير ..لماذا إذنْ أنتم تبيحون تلك الأفلام التى لا صلة لها بالواقع ؟! ..وليس هناك رغبة حقيقية فى القضاء على ظاهرة انتشار الحشيش والبناجو ..ونشر القيم والأخلاق ..! ..لماذا تحاربون كل من يقول لا !..وتحبسونه أو تقتلون قيمه وإنتماءه لوطنه !
ذلك لجعل الفكر مغَيَّباً ..ولينادواْ من مكانٍ بعيدٍ أنْ ادخلواْ الخَمَّارة كما دخلتموها أوّل مرة !