اللحى المستأجرة !!

الحقيقة 2414 يناير 2018
اللحى المستأجرة !!

بقلم الأستاذ حميد طولست
مشكل الفرد في المجتمعات الإسلامية عامة والعربية على وجه الخصوص، ليس في الجهل المطبق الذي يغرق فيه، بقدر ما هو في تقديسه لذاك الجهل والدفاع عنه والاستماتة في جعل خلق الله جميعهم يصطفون خلفه ، ويتمترسون معه في خندق جهله وجهالته ، التي يحمل رايتها والتي شعارها عنده وعند أمثاله هو: إما أن تكون جاهلا مثلنا أو أنك ضد الدين والشريعة ، ورغم إيماني القاطع بقوله تعالى :”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ” ، إلا أنه كثيرا ما يخامرني الظن بأن الكثير من ذوي اللحى ليسوا متدينين بقدر ما هم منافقون ، وكثيرا ما يعتريني الإحساس الشديد بأن لحاهم تلك ليست إلا عَلامة تَميّز، لا عَلاقة لها بالتَقوى والوَرع ومخافة الله ، وأنها محض “كديكور” وضع للوصول للمآرب الأنانية والغايات الشخصية ، التي يحققونها بها في المجتمعات التي تأخذ دينها من مفسري الأحلام ، وتختزله في اللحى ، وتحصره في كل ما ينتسب للملتحين ، على اعتقاد أنهم هم من يجسد الدين في ذواتهم وأفكارهم ، وأنهم وحدهم من يمتلك حقيقته -حتى لو كانوا أغبياء ، بعقول صدئة، وأدمغة عمشاء لا تفرق بين الأبيض والأسود- وأن غيرهم ليس له من حقائق الدين إلا بقدر تنفيذهم لإملاءات الشيوخ الغبية التي تنحر الدين الحق ، وفتاواهم المتخلفة التي تقتل الإيمان الصادق في النفوس ، وأيديولوجياتهم المنحرفة التي تعزز الإجرام في قلوب البسطاء ، وتحث على قتل ، كل المخالفين لشرائعهم ، على اعتبار أنهم -في أبسط حالاتهم – على باطل ، وقد يرتقي بهم الحال ، بعد أن تجرد سيوف الاتهام من أغمادها لتطعن في سريرتهم ونياتهم ، فيصبحون علمانين ، أو ليبراليين ، أو عميلاء ، لينتهي بهم المطاف إلى كفار مارقين لا غيرة لهم على دينهم ، بدعوى حماية الدين ، والذود عنه ..
لا ليس سوء الظن الذي يراودني بشأن اللحى شاملا لكل أشكالها ، فهو يستثني اللحى التي كانت في القديم علامة احترام وافتخار وكرامة عند الشعوب السامية في الشرق الأوسط قديمًا، والتي حظيت باحترام وتقدير سنة المصطفى ، صلى الله عليه وسلم ، والتي لازالت تعتبر علامة نضج وبلوغ ويستحق أصحابها التوقير والاحترام.. ويخص طني ظاهرة دعارة اللحى ، تلك التي تستأجر من أجل المصلحة الخاصة والأغراض الضيقة ، والتي هي من أقبح صور الابتذال، التي لا تقل حقارة عن استرخاص المرأة الداعرة لجسدها وشرفها من أجل المال ، والتي أخرجها المستفيدون منها من دائرة النقد إلى دائرة التعالي والقداسة حتى على صلب الدين وجوهره ، وقد عزز ذلك الطن عندي مؤخرا أحد أصهاري من المثقفين اللبراليين الذي التقيت به مؤخرا في مناسبة عائلية وقد تغير شكل وجهه بعد أن غطته لحية داعشية مرعبة ، جعلتني لا أستطع إخفاء استغرابي من “لوك” صاحبي الجديد والذي لا يتماش وأناقة ملبسه المعهود ، والذي سارع ، بعد أن فطن لدهشتي لفرط ذكائه وشرح لي أسباب لجوئه لإطلاق اللحية بذلك الشكل ، قائلا : إنها ليست انتسابا لجهة ما ، وليست تشددا في التدين ، وإنما اتخذتها لحل مشكل معقد كنت أعيشه مع ساكنة العمارة المكتظة التي أسكن إحدى شقق طوابقها العليا ويضيع علي ازدحام المصعد الوقت والجهد ، إلى جانب إني أكره أن أستعمل النصعد مع غيري ، فقررت إطلاق اللحية وإطالتها دون عناية بها ، إيغالا في الترهيب ، وإخافة سكان العمارة الذين لم يعد يزاحمني أحد الصعود أو النزول في المصعد ، ويفسحون لي المجال وحدي مرددين : تفضل يا حاج، والهلع يفترس دواخلهم . ضحكت حتى بدت مني النواجد ، وتحول ما كان بي من ظن باللحى وأصحابها إلى يقين ، على أن أكثرية اللحى لا عَلاقة لها بالتَقوى والوَرع ومخافة الله، وإنما لمآرب أخرى يبغيها أصحابها..

Breaking News