من عادة المسؤولين الأمنيين الكبار أن يصنعوا حول أنفسهم جدارا شفافا في مقابلة الآخرين. جدارا لا يمنعهم من ان يروا ما خلفه، لكن يمنعهم من أن يقتربوا اكثر، سواء أكان ما خلف الجدار معلومة أم سبقا صحفيا أو موقفا أو حتى مشاعر إنسانية. هذا الجدار الذي كان حديديا في العقود السابقة وصار الآن من زجاج مضاد للفضول هو ما يسمى الهيبة. ونادرون هم رجال الأمن الذين يفرضون هيبتهم دون أن يبنوا حولهم عازلا، بل يفرضون هيبتهم حتى وهم يفتحون مكاتبهم وقلوبهم للناس.
وأجزم أن عبد الإله السعيد واحد من هؤلاء. لم تخطئ المديرية العامة للأمن في تكليفه بمهمة والي أمن فاس فلقد أبان الرجل عن قدرة هائلة في محاربة الجريمة بوضع استراتيجيات أمنية منذ توليه كرسي المسؤولية و اعتلائه منصب والي أمن فاس منذ صيف 2016 كما أنه خبير في إتقان فن التواصل مع الصحفيين حيث كان رئيسا لخلية التواصل بالمديرية العامة ، ورغم كثرة الميكروفانات، كان عبد الإله السعيد قبل بداية أي ندوة صحفية أو حوار يقدم نفسه بالاسم و الصفة ليقتدي به المتكلمون ويدلوا بالاسم والصفة… وينشأ جو من التناغم بين السائل والمسؤول و على سبيل المثال لا الحصر لقاءاته مع فعاليات المجتمع المدني و الصحفيين ، بعيدا عن حالات النفور والرتابة التي كانت تسود لقاء المسؤولين الأمنيين بالصحافة.
ترك الرجل انطباعا جيدا لدى ساكنة تازة وهو يشتغل بها رئيس للشرطة القضائية، واكتسب رضى البيضاويين وقد عيّن رئيس الشرطة القضائية الولائية بالدار البيضاء، لكن فاس، شيء آخر. الآن، وقد أصابت المديرية العامة بتعيينها لعبد الإله السعيد واليا لأمن فاس، حيث أصبح من الممكن للمواطنين أن يروا لأول مرة ما لم يروه. متى كانت آخر مرة شاهد فيها المواطن الفاسي دوريات أمن تجوب الشوارع تمشّطها ويتواجد في إحداها والي الأمن شخصيا؟ فمدينة صارت تتصدر ترتيب المدن المغربية التي تعيش الخوف كانت تحتاج إلى رجل ميدان ينزل إليها كي يمنحها بعض الأمان.
مباشرة بعد تعيينه واليا للأمن على فاس، أبان الرجل عن حنكة لم يشهدها الفاسيون من قبل، فلأول مرة رأوا المسؤول الأمني الاول بفاس بجهازه اللاسلكي رفقة عناصره الأمنية في مطاردة لإلقاء القبض على مجرم فار من العدالة. صحيح أن بعض المشككين و ذوي النوايا السيئة طعنوا في عفوية هذا المشهد ووصفوه بالسينيمائي، ولكنهم معذورون. كل المشاهد غير المألوفة تثير الريبة. لكن من يعرف تاريخ عبد الإله خلال عمله بالدارالبيضاء و مكناس و تازة ، يمكنه بكل ارتياح أن يفند هذه الشكوك و الاتهامات، ويعلن أن ما قام به الرجل جزء من عمله بعيدا عن الاستعراض.
عبد الإله السعيد ذو الكاريزما الأمنية الذي يحب أن يستمع أكثر مما يتكلم، الهادئ الطباع، ليس بالشخص الذي ينتشي بالبقاء في المكاتب المكيفة، فهو يترجل من مكتبه متدخلا في كل طارئ يستحق التدخل. حتى أن الصحف والمواقع الإلكترونية بعضها من وصفته ب “الرأس السخون” و البعض من وصفها بقاهر المجرمين، توصيفا لرجل لا يمنح هامشا للتردد ولا للتراجع. فبمجرد تسلم مهامه الأمنية بفاس بدأ قيادة حملات أمنية أسفرت عن اعتقال العديد من المبحوثين عنهم. بل إن الصحافة رصدت أن عبد الإله السعيد “قاد حربا شرسة ضد المجرمين من قطاع الطريق واللصوص والمتاجرين في المخدرات والممنوعات كعائلات معروفة بمسلسلاتها الإجرامية بفاس كبنطوطو و الإحسانات و الطواش و الشراشر…، الى جانب وضع حد لمقاهي الشيشة وأوكار الدعارة بالمدينة”. حتى إن مراسلي الجرائد الوطنية رصدوا بأم أعينهم “وقوف السعيد شخصيا في حملات تمشيطية وتدخلات أمنية بعدد من أحياء العاصمة العلمية، لتوقيف عدد من الجانحين والوقوف دون وقوع جرائم قد تتسبب في خسائر مادية وبشرية. حتى أن ساكنة فاس أشادوا منذ يوم تعيينه انخفاضا في معدل الجريمة”.
هكذا إذن، كان مجيء عبد الإله السعيد على فاس بداية تحول في تاريخ فاس الأمني، فلا يعقل أن تتحول العاصمة العلمية للمملكة بكل امتدادتها في التاريخ إلى ملجأ للمجرمين والجانحين يعيثون في أرضها المباركة فسادا.
لقد جعل عبد الإله السعيد المواطن الفاسي يدرك بكل قوة بأن عودة الأمان إلى فاس رهين بتضافر جهود الجميع… فاليد الواحدة مهما كانت قوية وحازمة فإنها لا تصفق.
لكن ماذا عن عبد الإله السعيد الإنسان؟ مصادر الحقيقة24 من تجار درب عمر بالدار البيضاء المتخصصين في بيع الأدوات المدرسية، لا ينسون كيف كانوا مطلع كل سنة دراسية يتفاجأون بمن يرتعد كبار المجرمين منه خوفا يترجل هادئا, حاملا لائحة اللوازم المدرسية، ليشتريها ككل الآباء. ومثل كل الآباء لا تسرقه الوظيفة رغم جسامتها تماما عن أسرتها، حريص جدا على الاهتمام بأبنائه ومتابعتهم حالما بأن يكونوا كما يتمنى كل أب طموح أن يرى أبناءه و الدليل متابعة أبنائه دراستهم مع اولاد الشعب .