رمضان شهر مبارك على العمال الموسميين في المغرب، إذ يفتح لهم باب رزق ببيع احتياجات الصائم من الحلويات والمعجنات، ويرفعون من دخلهم لمواجهة متطلبات الحياة في ظل غلاء الأسعار، وحتى المنتجات التقليدية التي يشتكي أصحابها طيلة السنة من الركود تزدهر، فتنشط تجارة الملابس التقليدية والأواني الخزفية التي تقبل عليها العائلات المغربية خلال شهر الصيام.
يعتبر شهر رمضان مصدر رزق بالنسبة إلى الكثير من الناس من أصحاب المهن الموسمية التي تظهر فجأة لتغيب بمجرد انقضاء شهر الصيام. وأغلب هذه المهن، التي تعج بها الأسواق الشعبية في المدن المغربية ترتبط بصناعة الحلويات والمعجنات وفق أشكال ومكونات مختلفة، وهناك من يستغل شهر الصيام لصنع مختلف أنواع العصائر وبيعها والتي تلقى إقبالا كبيرا خاصة في فصل الصيف، كما تزدهر تجارة المنتجات التقليدية من ملابس وأواني فخارية، وبالمقابل تأفل مهن أخرى كثيرة خاصة منها التي تتعلق بالبناء والتعمير.
المقبلون على المهن الموسمية يسعون من وراء ذلك إلى تحسين دخلهم أو تعويض مهنهم الأصلية التي تشهد خلال شهر رمضان موسم ركودها، خاصة أن المصاريف اليومية خلال هذا الشهر تزداد لأن المواطن المغربي يسعى إلى أن تكون مائدة إفطاره متنوعة، فلا يغيب عنها اللحم والغلال والحلويات التي يشتهيها الصائم ولا يستطيع مقاومتها.
ومع بداية شهر رمضان يمكن لعابر السبيل في الأسواق الشعبية المغربية أن يشم روائح لا يصادفها خلال بقية السنة، فتعلن رائحة “الشباكية” و“البريوات” و“السفوف” وأصناف أخرى من الحلويات حضورها على المائدة المغربية، إذ يصطف الفقير والغني أمام محلات تعرض على واجهاتها صحونا ضخمة من هذه الحلويات رغم أنه لم يكن لها وجود أو غيّرت نشاطها خصيصا في هذا الشهر.
وعلى الرغم من أن هذه الحلويات كانت لا تباع إلا في يومين محددين، وهما ليلة النصف وليلة القدر، حيث يتم شراء حلوى “الشباكية” وحملها في سطل معدني ولا تؤكل إلا بعد العشاء ولا يقوم بصنعها وبيعها إلا السفناجة (أي باعة الإسفنج)، أما حاليا فالكل يصنع الحلوى ويبيعها بما في ذلك باعة الفحم وغيرهم وطيلة أيام هذا الشهر الفضيل. منتجات الصناعة التقليدية المغربية بمختلف أصنافها تنتعش بشكل كبير في شهر رمضان، وذلك بسبب الإقبال المتزايد عليها من قبل الأسر التي تهتم بوجودها في مختلف البيوت
وأصبحت الحلويات ملازمة للمائدة المغربية حتى بعد الإفطار، حيث يتم تقديمها مع الشاي المغربي خلال لقاء العائلة وتجمع الأصدقاء، رغم أن أخصائيي التغذية والأطباء يشددون على عدم الإكثار منها لأنها تعد مصدرا للسكريات التي يصعب حرقها في الليل. وتقدم هذه الحلويات أيضا حتى بعد انقضاء شهر رمضان بأسابيع قليلة، وحالما ينتهي مخزون العائلات منها تعود الحلويات المغربية الشهيرة مثل كعب غزال والفقاص وغريبة لتزيّن الموائد.
ويبدع المغاربة طيلة شهر رمضان في تحضير العجائن المختلفة، وقليل ما تجد مائدة مغربية لا تحتوي على “المسمن” أو “البغرير” أو “البطبوط”، وتنشط الأسواق المغربية بمثل بائعي هذه المنتوجات، الذين يسهرون على تلبية الطلبات المتزايدة خلال شهر الصيام.
وتقول سارة، التي تحول نشاطها في محل للملابس تملكه إلى صناعة الفطائر وبيعها خلال شهر رمضان كـ“البغرير” و“البطبوط” و“المسمن”، وهي أنواع من الأكلات يزداد الإقبال عليها بكثرة في شهر الصيام، “أستيقظ قبل طلوع الفجر لإعداد هذا النوع من الأكلات. إنها أكلات تستدعي الوقت والصبر. أبدأ بخلط المقادير في الخلاط الكهربائي وبعد ذلك أفرغه في إناء وأتركه لمدة 15 دقيقة وأبدأ في طهيه، وتساعدني في ذلك ابنتي منى التي تدرس بالجامعة”.
وتضيف سارة أنها “تبيع الفطائر من الحجم الصغير بدرهم، أما الفطائر ذات الحجم المتوسط فيصل ثمنها إلى درهمين”. وقالت إن هذا السعر مستقر ويتقبله الزبائن الذين يتوافدون عليها بشكل كبير في رمضان. وتؤكد أن مهنة بيع “البغرير” و“المسمن” تنتعش خلال شهر رمضان مقارنة مع باقي شهور السنة، فالعديد من النساء يفضلن شراء الفطائر الجاهزة، بدل إعدادها في البيت وخاصة النساء اللائي يشتغلن خلال النهار.
وتقول حريفة عند سارة “نظرا إلى عملي المتواصل طول اليوم لا أجد الوقت لطهي البغرير والمسمن في المنزل، إذ لا يكفيني الوقت لطهي الحساء وتحضير الوجبة الرئيسية. لهذا أشتري الفطائر والعصائر من السوق”.
وأمام تزامن شهر رمضان في المواسم الأخيرة مع ارتفاع في درجات الحرارة بالمغرب، فقد مثل ذلك فرصة لبضع التجار لصنع وبيع مختلف أنواع العصائر وترويجها في الأسواق الشعبية. فتراهم يعرضون قناني وعلب العصير الاصطناعي محلية الصنع، بالإضافة إلى منتوجات أجنبية أخرى يدخل معظمها الأسواق عن طريق شبكات التهريب التي تنشط في باب سبتة المحتلة وتوزع سلعها على مختلف المدن المغربية.
وغالبا ما يعمد هؤلاء التجار الموسميون إلى وضع مكونات من مختلف الفواكه وإضافة أنواع من القشدات والنكهات لجلب شهية الصائم، الذي يقضي أوقاتا طويلة في البحث عن أشياء تعزز مائدة الإفطار، كمّا وكيفا، كسلوك يومي يتقاسمه العديد من الصائمين. ويصبح الحليب أكثر ضرورة خلال شهر رمضان، حيث يقبل المغاربة على شراء الحليب الطازج ومشتقاته، فيقدمونه مع القهوة على مائدة الإفطار أو خلال السهرة، كما يستعملون الزبدة لإعداد وجبة السحور.