السيدة التونسية فايدة حمدي “نادمة أشد الندم” على ذلك اليوم الذي صفعت فيه بائع الخضار في مدينة سيدي بوزيد محمد البوعزيزي، فأقدم على إحراق نفسه، واشتعلت من بعد ذلك الثورة في تونس، لتكون شرارة لما عرف فيما بعد بثورات “الربيع العربي” التي اجتاحت عدة بلدان عربية، وغيّرت وجه العالم العربي.
من تصف نفسها “بصانعة التاريخ”، تتمنى لو أنها لم تفعل ذلك، عندما تراقب ما يجري حولها في المنطقة وتونس.. “الموت في كل مكان، والتعصب ينتشر ليحصد أرواح الأناس الطيبين”.
تضعنا حادثة البوعزيزي وحديث السيدة التونسية أمام مقاربة محيرة للعقل؛ لو أن فايدة حمدي لم تصفع البوعزيزي، ولم يحرق الأخير نفسه، هل كانت الثورة لتقوم في تونس، وتشتعل من بعدها ثورات “الربيع العربي”؟
يمكن لحادثة إحراق البوعزيزي نفسه أن تمر بسلام، وقد مرت حوادث أكثر فظاعة منها في تونس وسواها من دول الربيع العربي. الآلاف ماتوا تحت التعذيب في السجون العربية، ومثلهم انتهكت كراماتهم في الشوارع. وعلى غرار المظاهرات التي شهدتها سيدي بوزيد، سجلت مظاهرات مشابهة من قبل في تونس ومصر وليبيا وسورية، لكنها لم تبلغ مستوى الثورات التي وصلت إليها قبل ثمان سنوات تقريبا.
أعني أن أحداثا كثيرة مشابهة لحادثة البوعزيزي كان لها أن تفجر ثورات في وقت مبكر، لكن ذلك لم يحصل.
وفي اعتقادي أن عشرات الأشخاص الذين نزلوا إلى الشارع أول مرة في مدينة البوعزيزي، وغيرهم من الملايين في ميادين العواصم والمدن العربية، لا يملكون جوابا شافيا يفسر ما حصل، ولا يدركون بعد الجواب عن السؤال: لماذا الآن وليس قبل سنة أو عشر سنوات؟
أما السيدة التونسية التي كانت حتى وقت قريب شخصية منبوذة ورمزا للظلم الذي ثار عليه التونسيون، فقد صار لروايتها مشروعية، بعد المسار الذي آلت إليه ثورات “الربيع العربي” في ليبيا واليمن وسورية ومصر.
والغريب أن السيدة التونسية تتوجع على حال بلادها، مع أن تونس تعد الاستثناء الوحيد، وبارقة الأمل لثورات “الربيع العربي”.
لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن بعد حديث السيدة التونسية: من صنع التاريخ حقا؛ البوعزيزي الذي أحرق نفسه وفجر غضب التونسيين، أم فايدة حمدي التي صفعته على وجهه؟ إن كانت فايدة، فهي اليوم نادمة على فعلتها.