رغم تفعيل استراتيجيات أمنية بفاس و شن حملات أمنية على أوكار المجرمين و الخارجين عن القانون، لم يستأصل ورم الجريمة بشتى تجلياتها، من جسد المدينة التي تصنف ضمن أكبر المدن الحاوية لنسبة كبيرة من معدلات الجريمة، التي قد لا تنفع كل المقاربات الأمنية، في تذويبها، ما لم تعالج وتستأصل أسبابها ودوافعها.
المسؤولون لا يرضيهم أن تقدم فاس بهذا الوجه، في إعلامنا، متحدثين عن تضخيم الأحداث على بساطتها إلى درجة تقديم المدينة كما لو كانت “بؤرة للإجرام”، ما يساهم في رعب لزوار مفترضين و”يضرب سمعتها، وقطاع السياحة، ضربات متتالية تحت الحزام، ولو عن غير قصد”.
هي وجهات نظر تحترم، لكن من يعيش في قلب قوالب شوارعها وأزقتها وأحيائها الهامشية والراقية، يدري أن ما يتداول وينشر، عين الحقيقة وواقع لا يمكن حجبه بالغربال، طالما أن السكان “لم يعودوا يحسون بالأمن والأمان، وينتابهم رعب يومي خوفا على أرزاقهم وممتلكاتهم وأرواحهم”.
فمن بين أسباب انتشار الجريمة والاجرام في فاس اندثار الأمل لدى الشباب وانقسام المجتمع إلى فئات نظرا لغياب الديموقراطية، حيث استفادة البعض على حساب البعض الآخر نظرا لاقترابهم من المراكز السياسية المنتخبة و القائمة على تقريب الموالين وابعاد المعارضين.
و إن وضعا اجتماعيا بهذه الشاكلة من شأنه أن تتصادم فيه المصالح وتختزن فيه الأحقاد وتنفجر فيه مظاهر الحرمان ومحاولات الحفاظ على الذات فيصبح المرء ذئبا لأخيه الإنسان يبحث فقط عن فرصة لاقتناصه والإيقاع به، و إن الحد من الجريمة والاجرام لا يعالج بالوسائل الأمنية فقط وانما بمشروع سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي يشكل للمجتمع الفاسي محور اهتمامه ويعتبره مصدر كل السلطات .
الجريمة ثابتة ولا احد ينكر تواجدها بمدينة فاس، لاعتبارات منها غياب رؤية لرؤساء الجماعات الترابية، والغرف المهنية، لرد الاعتبار لمدينة فاس التي تعرضت الى تهميش، وغياب مستثمرين اصليين او وافدين جدد لاحداث معامل، ومصانع تساهم في امتصاص عطالة الشباب، مما جعل المدينة بؤرة لتجار المخدرات، وتبييض الاموال في الاراضي، والعقارات، والمقاهي، واستغلال الشباب المتعطش للشغل في حرف خارج القانون، مما حول مسارهم الى مجرمين وقطاع الطرق، ومشرملين، والنتيجة ارتفاع الجريمة.
إن الوضع الاجتماعي للمدينة و الذي انفجرت فيه مظاهر الحرمان ومحاولات الحفاظ على الذات جعل جميع أشكال الجريمة والإجرام تنتشر داخل أسوار العاصمة العلمية. وإذا ما أضفنا إلى ذلك تدهور مستوى التعليم وانتشار الأمية وانحسار دور المثقفين في صياغة مشروع مجتمعي قائم على العدالة والمساواة وانتفاء التفاوت الطبقي ، فإن مؤشرات الاجرام والجريمة بفاس لا تشكل سوى الشجرة التي تخفي غابة الاجرام.
ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه هل الاشكال امني، ام قضائي؟ .
وهذا هو صلب الموضوع لان حديث الشارع الفاسي هو أن الأجهزة الأمنية تقوم بواجبها رغم الإكراهات االلوجيستيكية و البشرية ، و تقوم بتشخيص البؤر السوداء، وتوقف المجرمين، ولكن مسؤولية النيابة العامة تبقى حلا من الحلول لردع الحالات التي لا يمكن ان تعود الى طريق الصواب .
فلا يمكن ان تفشل المجهودات و المقاربات الامنية امام القضاء الذي له كلمة الفصل في التطبيق السليم للقانون وبذلك يذوب المجهود الامني من خلال تخفيف الأحكام .
فعاليات جمعوية غاضبة لاحظت ان رجال الامن يقومون بوظيفتهم الامنية، لكن عند تدخلهم لايقاف مجرمين يتم مواجهتهم بأسلحة بيضاء وهو ما يدفعهم الى استعمال الرصاص الحي لايقافهم، والسبب ان المجرمين اصبحوا يبخسون الاداء الوظيفي لرجال الامن، لان بعد توقيفهم لمجرم فإنه في الغالب يغيب اسبوع ليعود الى الحي بحيازة حكم البراءة، او المتابعة في حالة سراح، وهو ما شجع على الجريمة بفاس، والدليل ما يجري باحياء هامشية بمدينة فاس…فهل من معالجة للاشكالات المطروحة، ام ننتظر المجهول…انه الخطر القادم…ياسادة وكلاء الملك.