تفاقمت، خلال الشهور الأخيرة، بشكل يدعو إلى القلق والتأمل، في آن واحد، ظاهرة تسول الأطفال بشوارع وأزقة مدينة فاس، أطفال مشردون في صور بئيسة جدا تثير استياء سكان المدينة.
أطفال يتسولون ويستعطفون المارة في وضعية تدفعك إلى طرح الكثير من الأسئلة، من قبيل من أين قدم هؤلاء الأطفال؟ ولماذا لم تتحرك ولاية جهة فاس مكناس في شخص تمثيلياتها المحلية، وكذا مؤسسات المجتمع المدني، لإنقاذهم من أخطار الشارع ومن أنياب المجرمين والمستغلين لوضعهم البئيس؟ وهل هناك بالفعل محاولات لتصحيح الوضع؟ الأخطر من ذلك، أنك تجد أطفالا في سن مبكرة يستعملون مادة “السليسيون”، وفي أوقات متأخرة من الليل، وفي أماكن تشكل الكثير من الخطر على حياتهم البريئة، ناهيك عن المشهد المقرف والبئيس، الذي بات مألوفا لدى قاطني مدينة فاس، المتمثل في استغلال هؤلاء الأطفال والشباب من لدن أشخاص يافعين ومنعدمي الضمير، يتظاهرون كأنهم أولياء أمورهم، ولكن، في واقع الأمر، لا شيء يربطهم بهم البتة، سوى علاقة الاستغلال، حيث يجري توظيفهم بذكاء ودهاء، في استعطاف المارة وكسب دراهم بمجهود سواعد فتية صغار.
هذا يدل، بكل تأكيد، على قصور تفعيل تنظيرات القطاعات الرسمية الوصية على الشأن الاجتماعي، كما يبين هذا الوضع، بشكل جلي، فراغ المجتمع الفاسي من جمعيات المجتمع المدني الجاد و المسؤول و الذي يعنى بمعالجة هذه الآفة، كما هو الشأن بالنسبة لمدن كبرى، والتي تعرف نشاطا جمعويا يهدف للغاية ذاتها.
فقد ظل موضوع تسول الأطفال واحدا من بين المواضيع والنماذج الصارخة التي يعاني منها مجتمعنا، خاصة في ظل فشل كل الإجراءات القانونية والحملات التحسيسية الهادفة إلى تطويق هذا الموضوع والحد من تداعياته السلبية على المجتمع، ومن بين هذه النماذج المتنوعة، نجد ظاهرة أصبحت شبه مألوفة بالشوارع الكبرى لفاس تتمثل في لجوء الأطفال الصغار إلى التوسل و التسول لبيع العلب الورقية ” كلينكس” وغيرها من المنتجات عند الشارات الضوئية.
جولة سريعة وعفوية على متن سيارة صديق قادتني بأحد شوارع تراب مقاطعة فاس أكدال إلى الوقوف على ظاهرة من نوع أخر بعيدا عن التسول المباشر ، تتمثل في الباعة المتجولين أبطال هذه المهنة أطفال صغار ، حيث أثار انتباهي هذا الموضوع بمجرد توقفنا عند شارة الضوء الأحمر بالقرب من فندق بارصيلو المصنف و القريب من ماكدونالدز رفقة باقي أصحاب السيارات،إذ بدأت أسمع كلمات تتردد في دقائق معدودة من قبيل ” خاصك كلينكس- عاوني أخويا – شري من عندي باكيا”، قبل أن اكتشف أن أبطالها أطفال لاتتجاوز أعمارهم 12 سنة، يتوسلون ويتسولون كلما تجمعت السيارات لحظة انطلاقة شارة الضوء الأصفر إيذانا للسائقين بالتوقف، هذا المشهد يتكرر بكل عفوية لأنه يعبر عن مشاهد ناطقة سجلت بحروف من ألم ومرارة العيش، لأن المسألة تتعلق بأطفال مايزالون عودا طريا وفي سن مبكرة، تجدهم يعملون وأحيانا يتسولون في الشوارع، بعيدا عن أعين أسرهم أو يسلكون هذا الطريق بمباركة من أسرهم التي تدفعهم إلى ذلك، لأن الأهم هو كسب “الدرهم”، ومن تم فإن ذلك مهما كانت الظروف، يعد ظاهرة مخيبة ومقرفة في نفس الوقت، لأن التسول يعتبر كيفما كان الحال عن ظاهرة البؤس والفقر بكل ما تحمله الكلمة من ألم ووجع نفسي مضني، خاصة إذا كانت هذه الحرفة التي يمتهنها أطفال صغار مازالوا في سن الزهور، لأنه كان من الأجدر بهم أن يلعبوا وأن يتابعوا دراستهم أيضا، عوض ترك مقاعد الدراسة واللجوء إلى حرفة التسول بتلك الطريقة، التي تنهك أجسادهم الصغيرة التي تلهث وتترقب لحظات توقف السيارات بالشارة الضوئية.
فعلى الفعاليات الجمعوية المهتمة بهذا الشأن بفاس مراسلة الجهات المسؤولة و تنظيم موائد مستديرة للتحسيس بخطورة هذه الآفة المتفاقمة ، لا تكليف أنفسهم بتشغيل كاميرات الهواتف و التصوير للاسترزاق بمآسي أطفال صغار لا يعرفون معنى اللعب والراحة والدراسة والأسرة والدفء العائلي والحنان أيضا بعد أن رمتهم الأقدار إلى براثين الشارع و الاستغلال من طرف مافيات التسول.