من عادة المسؤولين أن يصنعوا حول أنفسهم جدارا شفافا في مقابلة الآخرين. جدارا لا يمنعهم من ان يروا ما خلفه، لكن يمنعهم من أن يقتربوا اكثر، سواء أكان ما خلف الجدار معلومة أم سبقا صحفيا أو موقفا أو حتى مشاعر إنسانية. هذا الجدار الذي كان حديديا في العقود السابقة وصار الآن من زجاج مضاد للفضول هو ما يسمى الهيبة. ونادرون هم السياسيون الذين يفرضون هيبتهم دون أن يبنوا حولهم عازلا، بل يفرضون هيبتهم حتى وهم يفتحون مكاتبهم وقلوبهم للناس.
وأجزم أن الأستاذ الحسين العبادي رئيس مجلس عمالة فاس واحد من هؤلاء. لم يخطئ حزبه بعد صناديق الاقتراع في تكليفه بمهمة رئيس مجلس عمالة فاس، فلقد أبان الرجل عن قدرة هائلة في حمله أمانة التكليف ليقوم بها ، وحفظه أمانة المسؤولية الملقاة على عاتقه من ملفات كبرى شائكة كالمال العام الذي أودعته وزارة الداخلية في رقبته لصرفه على مدينة فاس و عالمها القروي .
فرغم الانتقاذات التي لاقاها الأستاذ العبادي في تسييره لشأن عمالة فاس بسبب عدم الخبرة و طيبوبته التي طالما تكون غائبة في الرجل السياسي إلا أنه أبان عن حنكة لم يشهدها الفاسيون من قبل، فلأول مرة قرأوا في الجرائد و الصحف عن امتناع رئيس مجلس العمالة صرف مستحقات لمقاولة لم تنجز مشاريعها و احترامها لدفتر التحملات ، و جرها للقضاء كونه لا يتعامل بالأظرفة في الكواليس لتمرير الصفقات و تسهيل عملية صرف المستحقات بدون موجب حق .
صحيح أن بعض المشككين و ذوي النوايا السيئة طعنوا في عفوية هذه العراقيل ووصفوها بالسينيمائية، ولكنهم معذورون. كل المشاهد غير المألوفة تثير الريبة. لكن من يعرف تاريخ الأستاذ الحسين العبادي سواء كمحامي بهيئة فاس أم كرئيس لمجلس عمالتها ، يمكنه بكل ارتياح أن يفند هذه الشكوك و الاتهامات، ويعلن أن ما يقوم به الرجل في الحفاظ على المال العام و المشاريع المنجزة جزء من عمله بعيدا عن الاستعراض.
الحسين العبادي الهادئ الطباع، ذو الكاريزما التي اكتسبها في المحاماة يحب أن يستمع أكثر مما يتكلم، ليس بالشخص الذي ينتشي بالبقاء في المكاتب المكيفة، فهو يترجل من مكتبه متدخلا في كل مستجد يستحق التدخل ، و قد برهن أن اليد الواحدة مهما كانت قوية و حازمة فإنها لا تصفق فتهيئة فاس رهين بتضافر جهود الجميع .