لو لم تلتحق بصفوف الأمن، لكانت شقت مسارها المهني ككاتبة أو باحثة أو محللة، بالنظر إلى ما تتميز به من هدوء كبير وإتقان حقيقي. عميد الشرطة فاطمة الزهراء الرماش هي واحدة من تلك الأطر التي تعمل في الظل، لكنها تقدم كل يوم خدمات جليلة للحفاظ على الأمن في المدن المغربية.
وتضطلع عميد الشرطة، التي تم تعيينها في ديوان والي الأمن بفاس، بدور حاسم في ضمان السير العادي للمرفق الشرطي. داخل فريق مكون من شباب وكفاءات متعددة التخصصات، تساهم في دعم وتنظيم وتخطيط الشأن الأمني.
قبل الانضمام إلى المديرية العامة للأمن الوطني، قطعت فاطمة الزهراء الرماش شوطا مهما، في المغرب والخارج. وبعد حصولها على الإجازة في اللغة الفرنسية من كلية الآداب فاس – سايس، توجهت إلى إيطاليا لمواصلة تكوين أكثر تعمقا.
وحصلت الرماش، المتعطشة للمعرفة، على إجازة ثانية في الوساطة الثقافية واللغوية، وماستر في الاتصال والتعاون الدولي من جامعة ستاتالي في ميلانو.
وبإتقانها للغات العربية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية وتسلحها بالعديد من الشهادات، تمكنت فاطمة الزهراء الرماش من الاندماج بسهولة في سوق العمل بإيطاليا. فعملت أولا كمترجمة فورية، ثم كخبيرة دولية في الوساطة اللغوية والثقافية مع السلطات الإيطالية وغيرها من المنظمات الأجنبية طيلة ثماني سنوات.
ولدى عودتها إلى المغرب، قدر لها أن تتزامن عطلتها مع مباراة لتوظيف ضباط الشرطة. فنضجت في ذهنها فكرة العودة إلى الوطن، وشاركت من دون تردد.
لم تكن مجرد وظيفة. لقد كان الانضمام إلى المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة بمثابة حلم راودها منذ فترة طويلة. من الحلم إلى الواقع، إنه مسار مهني واعد تتدرج فيه يوما بعد يوم. لأنه داخل المديرية العامة للأمن الوطني، هناك تدبير للمسارات المهنية، وتدبير للمناصب والكفاءات. آفاق التطور واضحة جدا.
وقالت فاطمة الزهراء الرماش، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، “أفتخر وأتشرف بالانتماء إلى عائلة الأمن”. ومما يبعث على الارتياح أنه “مجال للتعلم كل يوم”.
وأضافت “نحن نعمل داخل مجموعة ذات خبرة، تمرست على الميدان وفي الإدارة”، مشيرة إلى أن الفريق يشكل “رابطا بين مؤسسة والي الأمن والمصالح الأمنية المركزية والولائية، وغيرها من المؤسسات العمومية.
بكل حيوية وعزم، تحب فاطمة الزهراء الرماش أن تقترح وتنفذ وتتطلع إلى الأمام. منصبها يتيح لها نظرة ثاقبة على التدبير الأمني اليومي. بالنسبة لها، ليس ثمة موضوع أكثر أولوية من الآخر. “في عالم الشرطة، جميع المواضيع مهمة، الواحد يلامس الآخر”.
ويتطلب هذا الأمر تعددا للمهارات، وإتقانا، واستباقا، وروح الفريق. هذه المزية هي واحدة من نقاط قوتها، لأنه إذا كانت هناك مهنة تتطلب الذكاء الجماعي وطاقات المجموعة، فهي مهنة الشرطي.
وفضلا عن المهام ذات الطابع الإداري، يتكلف أعضاء الديوان بـ “الجانب التنظيمي”، مما يساهم في تدبير الشأن الأمني على مستوى ولاية الأمن.
وتشرح عميد الشرطة، وهي ترتدي بفخر زيها الرسمي، ببيداغوجية، سير أنشطة المواكبة والتحضيرات الأمنية التي يتم اتخاذها قبل وأثناء وبعد التظاهرات الثقافية والفنية، وغيرها من المسابقات الرياضية.
وأشارت فاطمة الزهراء الرماش إلى أن “تدبير الشأن الأمني في مدينة فاس لا يتم بطريقة مرتجلة، بل يستند إلى العديد من المعايير”.
وأضافت “نعمل باستمرار على تطوير دراسات تسلط الضوء على تطور معدلات الجريمة، نوعيا وكميا، وبروز سلوكات إجرامية جديدة ومحتملة، في ضوء التوسع الحضري والديموغرافي للمدينة وخريطتها الاجتماعية.
وتابعت قائلة إن هذه الدراسات تشكل “مرجعا وبنكا للمعطيات لفائدة المصالح المعنية، بهدف مساعدتهم على إنجاز مهامهم بشكل أفضل بسرعة وكفاءة”.
وفي معرض إبرازها لمكانة العنصر النسوي داخل المديرية العامة للأمن الوطني، أشارت فاطمة الزهراء الرماش إلى أن المرأة الشرطية ولجت جميع المناصب: فهي حاضرة بالزي الرسمي في الميدان وفي وحدة الخيالة والدراجين والمختبرات العلمية والتقنية، وفي مسرح الجريمة وإجراء التحقيقات الجنائية.
بالنسبة لها، يمثل اليوم العالمي للمرأة مناسبة “للاعتراف بدور المرأة كأم وزوجة وزميلة ومعلمة وعاملة ومربية وطبيبة، كل واحدة في مجالها”، مشيرة إلى أنه في إطار هذه الذكرى، تحتفي المديرية العامة للأمن الوطني سنويا بالنساء الشرطيات وعائلات أفراد الشرطة المتوفين.
تقول عميدة الشرطة فاطمة الزهراء الرماش، الأم لثلاثة أطفال، إنها لقيت كل الدعم والمساندة من طرف زوجها وعائلتها. بفضلهم، تمكنت من التوفيق بين حياتها الأسرية وواحبها المهني، وإنجاز مهمتها بكل مسؤولية وتفان.
وخارج نطاق عملها، تكن فاطمة الزهراء الرماش حبا كبيرا للثقافة. فهي تعتبر أن القراءة تتيح لها المضي قدما وبهدوء، وإغناء تكوينها ومسارها المهني، والانفتاح على تحديات جديدة.