أعادت هشاشة البنيات التحتية للدار البيضاء، إلى الأذهان ما سبق للملك محمد السادس التنبيه إليه، منذ أكتوبر 2013، بعدما حذر من الوضعية التي تعيشها العاصمة الاقتصادية، والتي ركز عليها حينها في خطابه افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية التاسعة.
غير أن حزب العدالة والتنمية، الذي أخذ عِمادة المدينة، ومعه بقية أحزاب الأغلبية المسيرة لمجلس المدينة، لم تخرج المدينة من تفاوتاتها المتفاقمة، ولم تستغل التشخيص الملكي للمشاكل التي تعاني منها، لحلها، ولم يواكب المسؤولون تلك الإرادة التي عبر عنها الملك لجعل المدينة قطبا ماليا دوليا لاعتبار مكانتها لديه، رغم الغضبات الملكية التي حملتها عدد من الزيارات إلى المدينة.
وعلى عكس محاولات العمدة عبد العزيز العماري، النأي بنفسه وتحميل مسؤولية غرقها في مياه الأمطار لشركة “ليديك” وحدها، والقول إن المجلس الجماعي لا تتجاوز مهمته حدود تلقي شكايات المواطنين، فقد شدد الملك في خطابه، على أن المجالس الجماعية هي المسؤولة عن تدبير الخدمات الأساسية، التي يحتاجها المواطن كل يوم، وأشار إلى أن “الوزير ليس مسؤولا عن توفير الماء والكهرباء والنقل العمومي، أو عن نظافة الجماعة أو الحي أو المدينة، وجودة الطرق بها. بل إن المنتخبين الجماعيين هم المسؤولون عن هذه الخدمات العمومية، في نطاق دوائرهم الانتخابية، أمام السكان الذين صوتوا عليهم”.
ويبدو واضحا أنه بعد مرور 7 سنوات من الدعوة الملكية إلى العناية بالدار البيضاء، وذلك بـ”توفير البنيات التحتية والخدماتية بمواصفات عالمية، وترسيخ قواعد الحكامة الجيدة، وإيجاد إطار قانوني ملائم وتكوين موارد بشرية ذات مؤهلات عالية واعتماد التقنيات وطرق التدبير الحديثة”، يقول الملك، فإن الفشل فرض نفسه طيلة السنوات الماضية، وهو ما تُظهره الصور والفيديوهات المتداولة بعد غرق المدينة في الأمطار وفي غياب الحكامة.
الدار البيضاء، يقول الملك في خطابه: “لا تجتمع فيها مع الأسف كل هذه المؤهلات رغم المجهودات الكبيرة على مستوى التجهيز والاستثمار، وخاصة ما يتعلق منها بالتأهيل الحضري، متسائلا: “لماذا لا تعرف هذه المدينة، التي هي من أغنى مدن المغرب، التقدم الملموس الذي يتطلع إليه البيضاويون والبيضاويات على غرار العديد من المدن الأخرى. وهل يعقل أن تظل فضاء للتناقضات الكبرى إلى الحد الذي قد يجعلها من أضعف النماذج في مجال التدبير الترابي؟”.
الدار البيضاء “هي مدينة التفاوتات الاجتماعية الصارخة، حيث تتعايش الفئات الغنية مع الطبقات الفقيرة. وهي مدينة الأبراج العالية وأحياء الصفيح. وهي مركز المال والأعمال والبؤس والبطالة وغيرها، فضلا عن النفايات والأوساخ التي تلوث بياضها وتشوه سمعتها. وأما الأسباب فهي عديدة ومتداخلة”، يضيف الخطاب.
وقد عدّد الملك ما يعتري المدينة، وذلك من خلال “ضعف نجاعة تدخلات بعض المصالح الإقليمية والجهوية لمختلف القطاعات الوزارية، فإن من أهم الأسباب، أسلوب التدبير المعتمد من قبل المجالس المنتخبة، التي تعاقبت على تسييرها والصراعات العقيمة بين مكوناتها، وكثرة مهام أعضائها، وازدواج المسؤوليات رغم وجود بعض المنتخبين الذين يتمتعون بالكفاءة والإرادة الحسنة والغيرة على مدينتهم”.
وأكد الخطاب أنه رغم ميزانية المجلس الجماعي للدار البيضاء تفوق بثلاثة إلى أربعة أضعاف تلك التي تتوفر عليها فاس أو مراكش مثلا، فإن المنجزات المحققة بهاتين المدينتين في مجال توفير وجودة الخدمات الأساسية تتجاوز بكثير ما تم إنجازه بالدار البيضاء.
وأورد ما “يعرفه مجال التطهير من خصاص كبير، بحيث تظل المنجزات محدودة وأقل بكثير من حاجيات السكان، مقارنة بما تم تحقيقه بالرباط وفاس ومراكش ومدن أخرى. وهو ما تعكسه، على الخصوص، نسبة تصفية المياه المستعملة، التي تبقى ضعيفة جدا، إذ لا تتجاوز 45 بالمائة بالدار البيضاء، في الوقت الذي تم الإعلان عن التطهير الكامل لمدينة الرباط، بنسبة بلغت 100 بالمائة، سواء في الربط بقنوات الصرف الصحي، أو في مجال تصفية المياه المستعملة. كما تصل النسبة في هذا المجال إلى 100 بالمائة، بكل من فاس ومراكش”.
وختم قائلا إن الوضع المعقد يتطلب تشخيصا عاجلا، يحدد أسباب الداء، وسبل الدواء. ذلك أن تقدم المدن لا يقاس فقط بعلو أبراجها، وفساحة شوارعها، وإنما يكمن بالأساس، في توفير بنيتها التحتية، ومرافقها العمومية، وجودة نمط العيش بها.
فهل سفعل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة فما حدث بالعاصمة الاقتصادية للمملكة؟