عصام لبيض
انتشرت في الآونة الأخيرة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، لمجموعة من “الرقاة” يدعون إخراج الجن من جسم الإنسان، مشهد يتكرر كل يوم وعلى المباشر، يجلب عددا كبيرا من المشاهدات، قد تصل للآلاف في بعض الأوقات، منهم من يلقى التشجيع ومنهم من يرفض مجتمعيا.
شخص ملتحي يفهم في كل شيء، ذو نبرة جافة، ونظرات عينين مقنعة، يراد منهما إيهام المتلقي بالقدرة على التواصل مع الجن، جني يتكلم كل اللغات ويعرف كل الخبايا وجميع الخفايا، جني يعرف الراقي الذي يحاوره معرفة جيدة، يمدحه ويتحداه في نفس الوقت، يعامله معاملة الند للند، جني همه الوحيد أن يعبر عما بداخل الشخص المسكون، جني مشاكله تتكرر رغم اختلاف الأشخاص، جني قدرته الوحيدة جعل الشخص يتشقلب ويتشنج ويتحدث مع الراقي بأسلوب المطيع لجلاده، لقطات و مشاهد تتكرر من حالة لأخرى، يختلف فيها الأشخاص وتتشابه فيها المضامين.
“الراقي” فلان تسعيرته تساوي الآلاف وإن لم نقل الملايين، كيف لك أن تذهب عند “الراقي” ولا تشتري من عنده الزيت أو الأعشاب أو البخور، ماء قرأ عليه، أو زيت يدهن به، أو بخور لحبك خيوط اللعبة، المهم في العملية دفع مبلغ التمثيلية.
لسنا في مكان نحكم فيه على أحد أو نتهم أحد، لكن وبما أننا نمتلك نسبة ولو قليلة من الوعي، يبقى لنا الحق في توجيه من يقرأ هذه الأسطر المتواضعة، أليس من باب الرقي من “الراقي”، أن يرقي الناس بالمجان، أليس من باب الخير والمحبة و أنت يا “راقي” تركب السيارات الفارهة وتسكن البيوت الراقية وتمتلك حسابات مصرفية ضخمة وتستقبل استقبال الأبطال عند زيارتك للناس، أن تقدم خدمتك للعموم بالمجان.
هموم تتراكم على الإنسان يوما بعد يوم تولد لديه ضغطا نفسيا، قد يلعب فيها الجانب الروحي دورا مهما فيما يصيب صاحبه من التيه والتشتت، يفقد معه توازنه وتصعب معه قراءة بوصلته ووجهتها، ليتم افتراسه من طرف “الراقي” فلان و”المعالج الروحاني” علان، وهما وجهان لعملة واحدة، همهم الوحيد و الأوحد مص دماء المهمومين والمقهورين من أبناء مجتمعنا، مشاهد تتكرر في شتى أنحاء الكرة الأرضية، لا تتعلق بدولة أو بديانة بعينها، الكل يركب نفس القطار، والمذنب الوحيد هو الجني.