عاد سعد الدين العثماني، الدكتور النفساني رئيس الحكومة السابق، إلى مزاولة عمله الطبي والمشاركة في الندوات والمحاضرات ذات الصلة بتخصصه؛ إذ ألقى، أمس، محاضرة بعنوان “المشكلة النفسية وحدود المرض النفسي”.
وحذر العثماني المغاربة من خطورة إهمال “المشكلة النفسية” بصفة عامة، ولدى المراهقين والأطفال بصفة خاصة.
وعرف العثماني خلال المحاضرة التي نظمها المركز المغربي أمان، الصحة النفسية بكونها قدرة الإنسان على الأداء الايجابي على الرغم من الظروف وضغوط الحياة المحيطة به، مؤكدا وجود معايير علمية للصحة النفسية، أولها التوافق الذاتي، وقدرة الإنسان على فهم نفسه، وقدرته على الثقة بنفسه، وقدرته على ضبط النفس وعلى العيش داخل مجتمعه في تفاعل وانسجام رغم الصعوبات والتناقضات، ثم الصبر على الاهتزازات، والقدرة على الشعور بالرضى والسعادة.
ونبه الطبيب النفساني إلى عدم ربط الصحة النفسية بالاضطراب النفسي، مشيرا إلى أن هناك تصورا قديما يضع الصحة النفسية والمرض النفسي في كفة واحدة، وهو تصور متجاوز من قبل الخبراء، مقابل ظهور تصور آخر يؤكد تشابك العلاقة بين المرض النفسي والصحة النفسية، بحيث يمكن أن يعاني من يتمتع بصحة نفسية جيدة من مرض نفسي، والعكس صحيح؛ إذ تمكن الظروف الإيجابية والمحيط الداعم المريض النفسي من التمتع بصحة نفسية جيدة.
وأكد المحاضر أن المشكلة النفسية عبارة عن صعوبة يعاني منها الفرد، قد يصاحبها ظهور بعض الأعراض العضوية كما النفسية، كتأثر أداء الفرد اليومي، والتعب المزمن على مستوى الجسد، الذي يصعب تشخيص أسبابه العضوية، وقلة التركيز، وكثرة النسيان، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات بشكل منطقي، وفقدان الحماس، والحزن والقلق الشديدين، ثم التوترات العصبية وردود الفعل الغاضبة غير المبررة.
وقد يعاني الأطفال والشباب المراهقون من صعوبات في التعلم وبعض المشاكل الدراسية، أو يظهر عليهم سلوك الانسحاب واحتقار الذات، يضيف العثماني، مشيرا إلى ضرورة الانتباه إلى ما يعيشه المراهق في حال عانى من الأعراض سالفة الذكر.
وقال العثماني إن جميع الأشخاص معرضون للإصابة بأمراض نفسية، تكون ناتجة إما عن صدمات أو خبرات سيئة في الحياة أو صعوبات تعترض أهداف الشخص، مؤكدا أن للمشكلة النفسية درجات، أدناها بسيطة تحتاج دعما نفسيا، وأقصاها حادة تحتاج تدخلا طبيا.
من جهة أخرى، حذر العثماني من إساءة فهم المشكلة النفسية والتعاطي معها من قبل المحيطين باستهتار، أو اتهام صاحب المشكلة بضعف الإيمان والشخصية.
وكشف المتحدث ثلاث آليات فيما يخص التدخل من أجل تقديم الدعم النفسي، يتم إعمالها بعد تشخيص مصدر المشكل وما إذا كانت له علاقة بالمحيط الخارجي أو الجانب المعرفي أو الوجداني للشخص.
الآلية الأولى تتمثل في المساعدة المعنوية، عبر الإنصات الذي يقطع نصف الطريق نحو العلاج، ذلك أن من يعانون نفسيا لا يجدون من يمكن أن يثقوا فيه لبث معاناتهم. أما الآلية الثانية، فهي فهم الشخصية، ونقط الضعف، ثم ثالثا تصحيح النظرة والحث على التغيير.
وسجل الطبيب النفساني بأسف عدم إقبال الناس على الاعتراف بمعاناتهم من المشاكل النفسية، مشددا على أهمية زيارة الطبيب في حال لاحظ الشخص على نفسه حالة من الحزن والقلق العميقين واضطراب النوم، وخاصة إذا استمر الأمر لمدة تعد بالأشهر، وإذا كان لذلك تأثير سلبي على الأداء الأسري، الدراسي، أو المهني، مشيرا إلى أن تلك الأعراض قد تكون لها صلة بمرض الاكتئاب أو بداية الإصابة بالفصام.
وفي هذا السياق، شدد على العثماني أهمية الانتباه إلى اكتئاب الأطفال والمراهقين، مبرزا أن 3 بالمئة من الأطفال و5 بالمئة من الشباب يصابون بهذا المرض، الذي لا يفهم الطفل خصوصا أعراضه، مشيرا إلى ما يسمى بـ”الاكتئاب المبتسم”، حيث يظهر الشخص فرحا ظاهريا لكن في باطنه حزن عميق.
وزاد أن تسعين بالمئة ممن يقبلون على الانتحار يعانون من اكتئاب، داعيا الأسر إلى الانتباه إلى سلوك أبنائها ومتابعة تحصيلهم الدراسي وحياتهم الاجتماعية بعناية
