تحول زيارة بيترو شانسيز رئيس حكومة مدريد للرباط كل الأنظار نحو المغرب، فهي تتجاوز كونها حدثا اسبانيا مغربيا الى أن تمثل حدثا أورومتوسطيا مفصليا مرشحا لكي تنجم عنه تداعيات إقليمية ودولية بالغة.
هي زيارة تاريخية بكل المقاييس تحيل على النظام الدولي الذي يتشكل، و على التفاهمات والتقاطبات الجديدة وليدة التحولات الجارية الآن على قدم وساق في العالم، كما تؤشر على الأبعاد الجديدة للتعاون بين الدول الصديقة المحكومة بقواعد الجغرافيا السياسية، التي صار مطلوبا منها أن تركز في القرن الواحد والعشرين على نبذ كل عناصر التنافر والخلاف والتوجه نحو تحقيق تنمية الشعوب وازدهارها.
لهذه الزيارة دلالات لاتخطؤها العين يمكن ان نلخصها في خمسة:
اولا ؛ ان الجارة الإسبانية قد حسمت أمرها وأنها ماضية في تفعيل قرارها الصادق والشجاع على أرض الواقع، دون التفات إلى الخصوم، من خلال زيارة أراد لها المغرب أن تكون على أعلى مستوى، للوصول إلى شراكة استراتيجية تقوم على الوضوح والثقة المتبادلة والحوار الشفاف، أي باختصار على الندية والاحترام.
ثانيا؛ أن الازمة التي عمرت مايقارب العام بين البلدين قد صارت في عداد الماضي، بعد أن أدت مهمتها في جعل البلدين يكتشفان بعضهما البعض، وخصوصا الجانب الإسباني، الذي فهم ان قضية الصحراء حيوية بالنسبة للمغرب، منهيا بذلك تلك المفارقة الصارخة بين تعاون اقتصادي متميز يجعل من اسبانيا الشريك والمزود التجاري الأول للمغرب، وتوتر سياسي مزمن بسبب ترددها غير المفهوم كشاهد إثباث طيلة 47 سنة في الصدح بمشروعية الحق المغربي.
ثالثا ؛ أن الحفاوة الكبرى بالضيف الاسباني ومشاركته العاهل المغربي محمد السادس مأدبة إفطار على شرفه خلال شهر رمضان المعظم لدليل على أن أمير المؤمنين يريد أن يبعث بكل رسائل الطمأنة وحسن الطوية وصفائها للجار الاسباني، بل ويضفي ودا وهالة وضمانات خاصة لأجل إنجاح العهد الجديد للصداقة المغربية الإسبانية، التي ستتجاوز كما يخطط المغرب المصلحة السياسية الى المصلحة الاستراتيجية.
رابعا؛ أن هناك ملفات عالقة سينكب عليها الجانبان تهم فتح الحدود واستغلال أنبوب الغاز المغاربي بين اسبانيا والمغرب، و كذلك استئناف أوراش اقتصادية في مجالات مختلفة تتوزع على قطاعات العقار والسياحة والفلاحة والطاقات المتجددة والشغل والتكوين المهني والنقل والصناعة الغذائية وقطاع النسيج والملابس، حيث سيدرس البلدان كيف يستثمر كل منهما موقعه الجغرافي ويضعه رهن إشارة شريكه لولوج اقتصادات وأسواق كل من أوروبا بالنسبة للمغرب وأفريقيا بالنسبة لاسبانيا، فالمغرب بلد يحظى بالمقبولية من طرف الشعوب الإفريقية وليس له ماض استعماري، ويمكنه أن يكون كفيلا ودليلا لإسبانيا في تحقيق طموحاتها.