هو سؤال حارق، ولن نجد له جوابا شافيا مَهْمَا قلبناه بحثا. لماذا تأخرت مدينة فاس في سلم التنمية ، وتقدم غيرها من المدن؟ هذا السؤال لا زال يتردد بتنوع مصدره، وفيه مقاربة توازي تصنيف المدينة ضمن الماضي المشرق و الحاضر الكئيب . قد تتعدد الإجابات، والكل منَّا يُجيب من مرجعية ذاتية، أو تجربة أو تصور، يرى فيه سببا وجيها لتأخر قطار التنمية عن العاصمة العلمية ، ومنه قد ينطلق في إجاباته.
المسألة ليست طبعا بالمفاضلة، والحسم في جواب جاهز عن سؤال إشكالي: لماذا تأخرت فاس في سلم التنمية؟ بل المسألة باتت حاضرة بقوة، وتروم نحو البحث عن الأسباب الحقيقية، دون البقاء في تعداد بقايا الأعراض العالقة بمظاهر تأخر المدينة، والغرق في التشخيصات المُرْهقة.
قد تتعدد أسباب تأخر المدينة، وقَلَّمَا يتم الانتباه بالعمق المطلوب، باعتبار أن المشكلة مركبة وممتدة بين ما هو وطني مُنْتظم في غياب المال العام الموجه نحو فاس لتحسين البنية التحتية المهترئة. وبين ما هو داخلي ومحلي ويصعب علينا تعداده في مقال واحد، لأنه يحمل تداخل الإخفاق السياسي، وعوز العناصر المنتخبة الرائدة .
هنا بالضبط بدأنا نقتفي بالتحليل والتفكيك نماذج من علامات تشوير سبب التأخر الكلي لا الجزئي بالمدينة. هنا بالضبط يمكن أن المساهمة في تقديم الإجابات المطلوبة والمتنوعة والمتعددة لإشكاليات مدينة مستديمة. هنا قد نلتمس العذر بعدم ربط أسباب التأخر بأشخاص بعينهم، بل نعوم الأسباب بتعدد العوامل وتشابك المصالح. هنا يمكن البدء بالتحليل من أن وجبة التنمية بمدينة فاس كانت شحيحة، وتفرقت الأسباب بتعدد المتدخلين.
اليوم ستنصب ملاحظاتنا حول قلب المدينة المعروف بساحة فلورانس ، تلك الواجهة المعيبة برائحة البول و الأزبال و قنينات الخمر سكارى بعد منتصف الليل ، حيث أصبحت ساحة فلورانسا مهملة منذ عدة سنوات رغم تعاقب المجالس المنتخبة ، ناهيك عن طول شارعي الحسن الثاني و علال بن عبد الله الذين أصبحا مهملين بمساحتهما الخضراء و نافوراتهما و رخامهم المكسور المقتلع عن الأرض في غياب لميزانية تعيد إصلاح ما تركه الغريم السياسي حميد شباط .
اليوم ، باتت مدينة فاس تبحث عن الترافع عن الإصلاحات الأساسية، وغابت عنها المطالب الكبرى (المحاور الطرقية الكبرى ، الطرامواي ، المصانع ، …). من تم لا بد من تعرية معيقات الحاضرة الإدريسية على شاشة القنوات العمومية، لعل وعسى أن تكون هنا أو هنالك أيادي بيضاء تمتد نحو المدينة للعناية الفضلى باعتبارها مدينة الملوك و مدينة الجذب الروحي و.