شهد المغرب منذ فاتح شتنبر 2021 إلى غاية اليوم تساقطات مطرية تراوحت في المعدل بين 10.5 ملم و308 ملم، وهو ما يشكل عجزا يقدر بـ 48 بالمائة على الصعيد الوطني مقارنة بمعدل التساقطات للفترة نفسها من السنة الفارطة.
هذه الأرقام المسجلة أثارت قلق خبراء ومهتمين بالشأن البيئي والتنمية المستدامة ونواب برلمانيين، مما دفع إلى التساؤل حول الإجراءات العملية والعاجلة لتزويد الساكنة بالماء الشروب انطلاقا من منظومات مائية مستدامة، وتقوية عمليات الاستكشاف لموارد مائية إضافية، بالإضافة إلى التدابير المتخذة من قبل الوزارة الوصية لتمويل البرنامج الاستعجالي وتنزيله، أخذا بعين الاعتبار مستوى الخصاص المائي وشح التساقطات المطرية، لاسيما إنجاز السدود التلية والصغرى، واقتناء أو تأجير الشاحنات الصهريجية.
وزارة التجهيز والماء أكدت أنه في ظل هذه الوضعية المائية الاستثنائية تم بصفة استباقية وضع مجموعة من الإجراءات والحلول الممكنة لتجاوز النقص الذي قد يحصل في بعض المدن والمراكز والقرى، مشيرة إلى أنه، بتنسيق بين مختلف المتدخلين، تم خلال شهر دجنبر 2021 اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستعجالية، الرامية إلى ضمان التزويد بالماء الصالح للشرب عن طريق إعداد مجموعة من الاتفاقيات بين مختلف المتدخلين من أجل التصدي للعجز المائي. وأضافت أن هذه الاتفاقيات همت أحواض ملوية تانسيفت وأم الربيع ومؤخرا كير- زيز- غريس بكلفة إجمالية قدرت بـ2,335 مليار درهم.
من جانبه، أكد محمد بنعبو، الخبير في المناخ، أن العجز المسجل في الواردات المائية خطير واستثنائي، و”هذا راجع بالأساس إلى توالي سنوات الجفاف التي عرفها المغرب خلال العقد الأخير، وخير دليل على ذلك أنه تم تسجيل 56.2 في المائة في حقينة السدود سنة 2019، بينما كانت النسبة تبلغ حوالي 67.2 في المائة سنة 2018″، يضيف بنعبو.
ونبه المتحدث ذاته إلى أن هذا التراجع يستدعي إعلان حالة الطوارئ المائية ودق ناقوس الخطر لتعبئة جميع المتدخلين لمواجهة السيناريوهات الأسوأ. وأضاف أن المغرب يسير بسرعة نحو الصدمة المائية، حيث سينتقل إلى الندرة المطلقة للمياه، مشيرا إلى أن حصة الفرد من الماء ستصل في السنوات القليلة المقبلة إلى 500 متر مكعب سنويا، بينما كانت تبلغ في الستينيات 2300 متر مكعب في السنة لكل مواطن.
وأشار الخبير في المناخ إلى أن الجفاف التاريخي، الذي عرفه المغرب خلال السنوات الخمس الأخيرة، أبان عن هشاشة بعض منظومات التزود بالماء إزاء فترات الجفاف الطويلة، وهو ما أملى صياغة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، تنفيذا للتعليمات الملكية، وهو برنامج من أهم محاوره تنمية وتنويع العرض المائي وتدبير الطلب، واقتصاد وتثمين الماء عبر الانفتاح على الموارد المائية غير التقليدية، وفي مقدمتها تحلية مياه البحر، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، والبحث عن موارد مائية جوفية جديدة، بينما يبقى الأهم هو الاشتغال على الحملات التحسيسية بأهمية الاستعمال المعقلن للمياه، خصوصا في صفوف القطاعات الأكثر استنزافا للثروة المائية الجوفية منها والسطحية.
ولتجاوز الصدمة المائية، يضيف بنعبو، يشتغل المغرب، في إطار المخطط المائي 2050، على الربط بين الأحواض المائية، وتوسيع شبكة الأنظمة المائية لضمان تدبير مرن للموارد المائية والتقليص من الفوارق المجالية، وتنويع العرض المائي واستدامته لفائدة الأجيال القادمة، ومواصلة سياسة السدود التي أبرزت نجاعتها خلال السنوات والعقود الماضية، بالإضافة إلى تطوير تحلية مياه البحر، مع اللجوء إلى الطاقات المتجددة (محطة اشتوكة نموذجا)، التي تعمل بالطاقة الريحية، بالإضافة إلى خفض معدل توحل السدود بنسبة تصل إلى 20 بالمائة عبر تهيئة الأحواض المائية.