عادل عزيزي
بينما تعيش عددا من الجماعات القروية، التابعة ترابيا لإقليم تاونات، أزمة عطش ويتحمل سكانها مشاق جلب الماء الشروب من مناطق نائية؛ حيث أصبح منظر الأطفال والنساء والشيوخ معتادا وهم يقومون برحلة يومية على متن دوابهم لجلب الماء من أماكن قد تبعد عن سكناهم بمسافة تزيد عن عشر كيلومترات، فتأمين مياه الشرب أصبح معركة يومية، مفارقة غريبةتلك التي يعرفها، اقليم عائم على بحيرات عديدة، حاملا فوق ترابه أكثر من 4 ملايير من الامتار المكعبة من المياه السطحية العذبة، لكن الخلاصة أن سكانه وبالأخص القرويين منهم اعتادوا هذا الامر .
و لعل الأغرب من كل ذلك صدور بلاغ من المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب يعلن من خلاله بداية الاستغلال التدريجي لمشروع كبير لتقوية وتأمين تزويد مدينتي فاس ومكناس والمراكز المجاورة بالماء الشروب انطلاقا من مياه سد إدريس الأول، و حسب البلاغ يهدف هذا المشروع، المندرج في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي (PNAEPI) 2020-2027، و الذي سيمكن من تأمين تزويد مدينتي فاس ومكناس والمراكز المجاورة بالماء الصالح للشرب، كما سيساهم في تحسين الظروف المعيشية للسكان ودعم التنمية الاقتصادية الاجتماعية للمنطقة.انطلق هذا المشروع في ابريل 2015 بعدما استشعرت الحكومة المغربية و مسؤولي المكتب الوطني للماء الصالح للشرب خطورة نضوب الفرشة المائية لسهل سايس.
الغريب في ذلك أن القسم الأكبر من هذه المياه يوجد على بعد أمتار من دواوير تعاني العطش بمحيط سد الوحدة على سبيل المثال. والأخطر منه، أن برنامجا ضخما لتزويد دواوير دائرة غفساي والقرية بالماء الشروب انطلاقا من سد الوحدة قدم لجلالة الملك في زيارته التاريخية شهر نونبر 2010 و نحن الان على مشارف نهاية 2022 و لا زال المشروع لم يراوح مكانه…
وغير بعيد عن سد ادريس الأول وبأمتار فقط تقبع دواوير وجماعات قروية بدائرة تيسة، تواجه مع حلول كل موسم صيف، أزمة عطش حادة تدفع بالسكان للاحتجاج أحيانا ولتجشم معاناة جلب المياه على متن الدواب وفي أدوات بلاستيكية غير صحية ولمسافات طويلة، أملا في جلب كمية من الماء تضمن لهم الحياة.
سد ادريس الأول الذي يحيط بإقليم تاونات ويخترق دائرة تيسة من القطاع الجنوب الشرقي دشن سنة 1973 بسعة اجمالية تصل الى 1.186 مليار م3 ، كان الهدف من إنجازه، السقي وتوليد الطاقة الكهرومائية، وتوفير الماء الصالح للشرب. منذ ذلك الحين وقد مرت 44 سنة على انجازه، لازالت معظم ساكنة دائرة تيسة بل ودواوير محاذية لهذا السد دون ربط بقنوات الماء الصالح للشرب.
للإشارة فقط عرف إقليم تاونات ميلاد العديد من المشاريع المائية الكبرى، التي كانت تطمح إلى إيصال الماء الشروب إلى جماعات ودواوير نائية، كما هو الحال بالنسبة لدائرة غفساي، التي استفادت من المشروع المندمج لتزويد إقليم تاونات بالماء الصالح للشرب بكلفة إجمالية تبلغ 815 مليون درهم، وكان مقررا في غضون سنة 2012 أن يتم تزويد غفساي و الوردزاغ ومراكز الجماعات القروية المجاورة و231 دوارا بالماء الشروب؛ حيث بُرمج ليستفيد من هذا المشروع في شطره الأول 2004-2010 ، 306 آلاف نسمة، على أن يستفيد في شطره الثاني ساكنة يبلغ عددها 136 ألف نسمة، وذلك بهدف الوصول إلى نسبة التزود بالماء الشروب 98 في المائة.
الشيء نفسه يقال عن مشروع تزويد دائرة قرية ابا محمد بالماء الشروب، والذي انطلقت به الأشغال قبل سنوات، بكلفة مالية اجمالية تبلغ 280 مليون درهم، والذي يهم ساكنة تقدر بـ 400 ألف نسمة من سكان مراكز بلدية قرية بامحمد والمكانسة، وكذا جماعات قروية أخرى تابعة لإقليم تاونات. وكان مقررا أن يتم الشروع في استغلال هذا المشروع في دجنبر2011، لكن الإكراهات نفسها التي اعترضت المشروع الأول حالت دون ذلك.
يظهر إذن أن هناك إمعانا من لدن صناع القرار أن تاونات إقليم هامشي ينتمي للمغرب غير النافع سكانه من الدرجة الثانية أو الثالثة لا يستحقون أن ينالوا حصتهم من ثروات هذا الوطن بل لا يستحقون أن يشربوا من ثروتهم المائية التي غمرت أجود حقولهم وأغلى ما لديهم ينظرون إليها وهم عطشى دون أن يستطيعوا إليها سبيلا…مياه تتدفق نحو الغرب و نحو السايس ولازال هؤلاء السكان المهمشين يحملون قارورات ماء ليلا ونهارا على أكتافهم كما على الدواب يبحثون عن آبار أو عيون للارتواء بمائها ومياه البحيرات تحيط بهم وقد عزلتهم عن العالم الخارجي.
هذا الأمر يؤكد أن غياب التنمية المحلية بالإقليم، ليس نتيجة عفوية بل هو فعل إرادي، تسعى من خلاله بعض من دوائر صناعة القرار السياسي إلى جعل إقليم تاونات ضمن دائرة المناطق التي من خلالها يتم ترتيب الخريطة الانتخابية على الصعيد الوطني أو الجهوي أو الإقليمي، وبالتالي يتوجب الإبقاء على سياسات عمومية هشة بالإقليم، مما يوسع من دائرة العزوف الانتخابي، أمر يمكن من الإبقاء على شريحة انتخابية قليلة، يسهل استمالتها إما بالمال أو المصالح أو التخويف أو القبيلة.