عادل عزيزي
أصبحت ظاهرة تكاثر حالات الانتحار والإقدام على محاولتها بإقليم تاونات في وتيرة تصاعدية، والمثير حقا في هذه الظاهرة هو كونها تنامت بشكل خطير حيث شملت كل الفئات العمرية وكل الشرائح الاجتماعية ذكورا وإناثا حسب اختلاف الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فقلما ينقضي أسبوع أو شهر ، دون أن تسمع بعملية انتحار شخص في هذا الدوار أو ذاك، وفي هذه الجماعة أو تلك من إقليم تاونات، إلى درجة أصبح الحديث مواقع التواصل الاجتماعي عن “الظاهرة” أضحت تتفشى بشكل مقلق.
ظاهرة تثير للاهتمام، وتدعو إلى ضرورة إمعان النظر في خلفياتها وأسبابها الحقيقية الكامنة وراء حدوثها، وهذا من قبل المسؤولين وأهل الاختصاص في الدوائر الاجتماعية والطبية، فالظاهرة تحولت إلى كابوس مرعب يطارد الأولياء في كل وقت، وما يبرر مخاوفهم هي تلك التهديدات التي يطلقها الأبناء بالانتحار لأتفه الأسباب، لا يعني هذا على الإطلاق أن الظاهرة تقتصر على المراهقين دون سواهم بل طالت كل الأعمار ومع ذلك لم يتحــرك أحد لوقف النزيف.
“غادي نعلّق راسي ونتهنّى منكم”، و”جوج ميتر ديال الكردة دهانيني من هاد الحياة”، أو “غادي نحرق راسي”، و” اللّهم الموت ولا عيشة الذل والكلاب”… إلخ، عبارات يرددها الصغير قبل الكبير، والموظف والعاطل، والرجل والمرأة، الكل سيّان في الترويج لهذه الأفكار القاتلة، فلقد أضحت عمليات الانتحار بتاونات متفشية بشكل أصبحت معه تثير أكثر من سؤال بين مختلف الأوساط الاجتماعية، خصوصا أنها تمس فئات عمرية متباينة ويقدم عليها الجنسان معا.
وبين حالات وأخرى ربما لم يتم الإعلان عنها، أصبح صيت عمليات الانتحار بإقليم تاونات يثير الانتباه، على اعتبار أنها أضحت في السنوات الأخيرة، تهم جميع الفئات من كلا الجنسين بما في ذلك شباب وشابات في عمر الزهور، وهو الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول دوافع اختيار هذه الفئة وضع حد لحياتها، تاركة وراءها «عائلات مكلومة من هول هذا المصاب الذي يصعب على المرء أن يتقبله»، حوادث الانتحار في إقليم تاونات سجلت خلال السنة الجارية رقما مخيفا، بعد سقوط 56 حالة.
تفشي الانتحار بالإقليم و مخاوف التطبيع مع الظاهرة، دفع بإكرام الحناوي، النائبة البرلمانية بمجلس النواب، إلى مطالبة وزير الصحة والحماية الاجتماعية، بالتدخل العاجل في القضية، حيث وجهت في هذا الصدد سؤالا كتابيا إلى الوزير، يوم الأربعاء 29 يونيو 2022، استفسرت من خلاله عن الأسباب الكامنة وراء تزايد ظاهرة الانتحار بإقليم تاونات، وهل قامت وزارة الصحة من خلال مديرية علم الاوبئة ومحاربة الأمراض بدراسات علمية في الموضوع لمعرفة الاسباب المرتبطة بهذا الارتفاع؛ تساءلت البرلمانية أيضا عن الإجراءات المتخذة من قبل وزارة الصحة وقطاعات حكومية أخرى للحد من هذه الظاهرة وطنيا وبإقليم تاونات بشكل خاص.
لا يمكن اعتبار حوادث الانتحار المتزايدة خلال السنوات الأخيرة في إقليم تاونات نماذج لإخفاقات فردية فحسب، بل إنها في الواقع مؤشرات تدل على تداع جمعي يحدث في المجتمع، فكل حالة انتحار تشير إلى احتضار ما في إحدى جوانب الحياة، يعيشه الناس بصمت في ظل انسداد الواقع وغياب الأمل بإمكانية تحقق خلاص قريب من الأزمة.
وفي العموم، فقد بات الانتحار الحيلة الأخيرة للإنسان التاوناتي اليائس للتعبير عن الرفض والغضب والاحتجاج في مرحلة يسمها الصمت والاضطهاد والخذلان، وهو أيضا صرخة في وجه الفقر والتهميش والاقصاء الذي أصبح عليه إقليم تاونات، ويمكن اعتباره كذلك محاولة أخيرة لتمزيق ذلك الشلل الجمعي الذي أصاب المجتمع في الوقت الذي بات يُسلب فيه كل شيء.
وأخيرا، يدفع التزايد المستمر لحالات الانتحار بالإقليم إلى جعله قضية أساسية لاهتمامات المجتمع، وهو ما يدفع بالمسؤولين بالتفكير في إعداد برنامج لمحاربة هذه الظاهرة.