إقليم تاونات يئن فهل من مغيث…!؟

الحقيقة 244 يناير 2023
إقليم تاونات يئن فهل من مغيث…!؟

عادل عزيزي

إذا كانت جل مدن وأقاليم المملكة المغربية عرفت خلال السنوات الأخيرة انتعاشا اقتصاديا واجتماعيا ملحوظين جراء توافر بنية تحتية مساعدة من طرقات، مستشفيات، مدارس..، فان إقليم تاونات، ناله القسط الأوفر من الإقصاء والتهميش المقصودين، مما جعل عقارب تنميته تتوقف لسنوات، قرى ومداشر تعيسة تحتضر، محكومة بدائرة من المأساة والوجع، تنظر أمامك فتُطالعك وجوه كئيبة حزينة، تختزن بين تجاعيدها حكايات قرى تصرخ بالإهمال. تجول بعينيك فيرتد البصر خائبا وهو حسير من فرط الوجع الذي يستبد بالمنطقة، التي تخيّم عليها رائحة التهميش، رغم أن الإقليم يعتبر بوابة للمنطقة الشمالية ونقطة تقاطع مجموعة من الطرق تؤدي إلى وجهات مختلفة : الحسيمة، وزان، فاس، تازة …


تحمِّل ساكنة الإقليم مسؤولية تعثر عجلة التنمية، التي أبت أن تتحرك، إلى عمالة إقليم تاونات بالدرجة الأولى بسبب التراخي الذي يطبع تعاطي السلطات تجاه تسيير المجالس المنتخبة وطريقة تدبيرها للشأن العام، واقتصار مهام العمال على الوظائف الإدارية فقط، حيث لا تدخل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ضمن أجندات واهتمامات المسؤولين.


لم تفلح اللقاءات التواصلية التي انعقدت بالإقليم في بلورة المشاريع وتحريك المياه الراكدة منذ عقود، فتحولت آمال الساكنة إلى آلام مع مرور الوقت.
في شهر ماي من سنة 2017، احتضنت قاعة الاجتماعات بعمالة إقليم تاونات لقاء مختلفا عن العادة بحضور حسن بلهدفة، عامل الاقليم، والسيد محمد السلاسي رئيس المجلس الإقليمي ورؤساء الجماعات و مسؤولي القطاعات الخارجية، و مسؤولين اخرين، وقيل حينها إن اللقاء يأتي للمساهمة في البحث عن سبل الاستثمار والرفع من عجلة التنمية بالإقليم. هذه الفترة كان إقليم تاونات يعيش فترة استثنائية في تاريخه المعاصر، كان يعرف حراكا شعبيا “التنسيقية الإقليمية لرفع التهميش عن تاونات” حضاريا قدم من خلاله أبناء الإقليم دروسا بليغة في الاحتجاج السلمي المقترن بأرقى قيم التحضر والمسؤولية في الحرص على الأمن والممتلكات العامة، وقد أبان هذا الحراك الراقي في أشكاله الاحتجاجية عن روح جماعية قل نظيرها، رغم محاولات عدة جهات لإفشاله.


كانت عمالة إقليم تاونات قد استبقت هذا الاحتجاج، وأصدرت بلاغا تخبر من خلاله بعقد لقاء تواصلي مع الساكنة نظمته، أفادت فيه بأن غلافا ماليا يقدر بمليارين و504 ملايين و546 ألف درهم تم رصده لإنجاز مشاريع بالإقليم ممولة من طرف صندوق التنمية القروية للفترة 2017-2022.
وكان عامل إقليم تاونات، قد أوضح خلال تدخله في هذا اللقاء، أن إقليم تاونات حظي بنصيب الأسد من الحصة المخصصة لعمالات وأقاليم جهة فاس مكناس في إطار هذا البرنامج الممول من طرف صندوق التنمية القروية، باستحواذه على 37% من المبلغ الإجمالي المرصود للجهة، والمقدر بحوالي ست ملايير و834 مليون درهم.


وأبرز بلهدفة أن هذا الغلاف المالي الخاص بإقليم تاونات موزع على مجموعة من القطاعات، كالتربية الوطنية وتأهيل المنشآت الصحية والتزويد بالماء الصالح للشرب.
لا شيء تغير، أكثر من خمس سنوات مرت عن الموعد سالف الذكر، غير زرع اليأس والإحباط في نفوس الشباب العاطل ورصد غير قليل من السخط على الواقع والحظ العاثر، إلى جانب تكريس أزمة الثقة وتوسيع الهوة بين المواطن والمنتخب والسلطة من جهة أخرى.
إن أهم معيقات التنمية بالإقليم تتجلى في غياب الرؤية والإبداع لدى المسؤولين و المنتخبين على حد سواء، كما أن الإقليم لم ينل من حقه سوى الفتات، دون الحديث عن الموارد المادية التي ترصد لبعض المشاريع قبل أن تطير بقدرة قادر نحو أقاليم محظوظة، إضافة الى ذلك إقليم تاونات يعاني ظلما مجاليا كبيرا.


فإذا كانت أقاليم الجهة التي ينتمي إليها الإقليم سواء الحالية أو السابقة، قد عرفت طفرة نوعية فيما يخص عدد المشاريع التنموية المبرمجة، فإن العنوان الأبرز في كل هذا هو في التفاوت الذي يكشف عن هيمنة بعض أقاليم الجهة على جل المشاريع والبرامج المهيكلة، وافتقار بعضها، ومنها إقليم تاونات، إلى الكثير من متطلبات الولوج إلى التنمية والافتقار إلى مشاريع قادرة على تجاوز مستوى التخلف والتأخر الذي يعانيه على كافة المستويات.


إقليم تاونات هو قصة أخرى لفشل المقاربات التنموية، إقليم لا زال يعاني على كل المستويات، وما زالت ساكنته تتجرع مرارة الحياة، فهي تعيش تحت وطأة الفقر والتهميش، وتكابد مظاهر البؤس والحرمان نتيجة غياب أدنى متطلبات الحياة.


إقليم تاونات في حاجة الى تفكير جدي في بناء تصور تنموي شامل يتماشى مع هذه الخصوصيات ويجعلها رافعة حقيقية للتنمية بعيدا عن الحلول الترقيعية.

Breaking News