عادل عزيزي
انفجرت قبل أسابيع قضية اغتصاب قاصر بمدينة تاونات، وتعالت أصوات محلية بضرورة معاقبة الجاني، والحقيقة أن الطفولة، ليست وحدها المُغتصبة بمدينة صغيرة في حجم تاونات، فالمدينة بدورها “مُغتصبة” وتحتاج إلى من يقف بجانبها في محنتها ويلقي القبض على الجناة الحقيقيين وتقديمهم إلى المحاكمة.
تاونات؛ تلك الطفلة الجميلة التي يتناوب على اغتصابها أناس من أهلها، برعاية رسمية، تشارك في ذلك جوقة من المتملقين والمادحين.
تلك الطفلة الجميلة التي عرفناها وتغنينا بجمالها وعفتها اغتصبت ولم تعد عذراء، ولم يعد أمام ذويها خيارات، فإما أن تتزوج مُغتصبها، أو تتزوج بشخص يريد أن يستغلها بحجة أنه سترها، أو أن تنتحر.
بالأمس القريب كانت مدينة تاونات حاضرة متمدنة تعيش حياة راقية، يعكسها سلوك أبناءها المهذب، وعشقهم للثقافة والفن وارتيادهم لنوادي الثقافة بدور الشباب وقاعة السينما، كانت المدينة تعيش السكينة والنظام والانضباط..، واليوم فقدت تاونات معظم مواصفات المدينة، وتحولت إلى مجرد تجمع سكني تطغى عليه مظاهر البداوة، والفوضى والتسيب.
عمت الفوضى كل مظاهر ومرافق الحياة، في السير و الجولان، في التجارة والأسواق، في حركية المجتمع وانعدام الأمن، وفي نمط الحياة، سادت الفوضى على حساب النظام، وتلاشى الشعور بالأمن أمام طغيان الرعب والإرهاب النفسي، الفوضى الخلاقة التي تولد فرص الكسب الحرام، فوضى تنظمها الإدارة، وتغذيها مؤامرة الصمت، فوضى يزكيها عدم تنفيذ القرارات القطاعية المنظمة للحياة الاجتماعية والاقتصادية، فوضى ينعشها الغياب الإرادي لسلطة الإدارة.
النساء و العجائز، والتلاميذ والشيوخ وعموم المواطنين مجبرون على المشي جنبا إلى جنب مع السيارات والشاحنات والدراجات، يعرضون حياتهم للخطر، من أجل أن ينعم بالربح المضاعف أصحاب المقاهي والدكاكين والمطاعم، بإضافة الأرصفة إلى محلاتهم التجارية، ليغدقوا بدورهم من القيمة المضافة على المسؤولين عن الشأن المحلي المزيد من الإتاوات، فجل المقاهي والمطاعم سيجت الفضاء العمومي، وأصبح ملكا لها بالقوة والفعل، وما تبقى من الأرصفة تجثم عليه السيارات كالعقارب كل يوم، إنها الفوضى الخلاقة في تاونات.
أما فيما يتعلق بالسير وتنظيم الجولان فتلك الطامة العظمى والآفة الكبرى، سيارات جعلت من الأرصفة مرآبا لها، وشباب يمارسون هواية التسابق بالدراجات الهوائية والنارية مولدين الهلع والسخط لدى المواطنين، ويتنافسون في تحدي الشعور العام، وإحداث أعلى ضجيج دون حسيب أو رقيب، ملوثين البيئة والفضاء الاجتماعي العام بعد أن اغتالوا في نفوس السكان الرضا والاطمئنان.
الفوضى المنظمة في مدينة تاونات اغتصبت كل شيء جميل، اغتصبت الحدائق والملاعب، اغتصبت فضاءات الشباب، استولت على الشوارع والملك العام، أرهبت الأساتذة والتلاميذ بباب المدارس، أرعبت المواطنين في جنح الظلام وفي واضحة النهار، شوهت معالم المدينة، وأقبرت الأمل في التصحيح والإصلاح، إنها سياسة الغرق التي خطط لها البعض بامتياز لسرقة أحلام البسطاء.
المدينة خاوية على عروشها لا معامل لا شغل و لا فضاءات للترفيه والثقافة، وهي بذلك في أمس الحاجة إلى الاهتمام من طرف مسؤولين عندهم “الكبدة” على مدينة لا تنقصها المؤهلات سواء على مستوى موقعها الجغرافي أو ثرواتها الفلاحية أو سكانها الطيبين.
سكان كل رجاءهم، تنظيم حملة تطهيرية، لتخليص المدينة من مسؤولين يشددون عليها الخناق، مسؤولين بسببهم تحولت المدينة إلى أطلال تثير الشفقة، وكأننا في المدينة التي تحدث عنها غابرييل غارسيا ماركيز في رواية “مائة عام من العزلة”.