عادل عزيزي
منذ سنوات عديدة ونحن ننتظر انطلاقة فعلية وجادة للحياة الرياضية الصحية والمسؤولة لمدينة تاونات، مقارنة ببعض المدن المغربية المرجعية في هذا المضمار، منذ مدة ليست بالقصيرة ونحن نترقب انعطاف مفصليا تقطع مع المسلكيات العفوية غير المهنية لأصحاب القرار في هذه المدينة العزيزة على قلوب ساكنيها، لكننا سمعنا في مناسبات كثيرة “جعجعة ولم نر طحينا”، إلى درجة أصبح بعض الغيورين يطرح أسئلة “محرجة”، من قبيل:
– لماذا لا تشهد عروس الجبل أنشطة رياضية وازنة؟
– وما هي العوامل التي طالما كانت بمثابة فرامل تمنعها من هذه الحركية المطلوبة؟
– وماهي الحلول والبدائل الكفيلة بإصلاح هذا الوضع غير المقبول؟
وحتى لا يفهم كلامي خطأ، فأنا لا أحكم بجرة قلم على التاريخ الرياضي لمدينة لها تاريخ عريق في الرياضة، ولا أنكر فترات مشرقة عرفتها في مجالات عدة، كرة القدم، العدو الريفي.. أحرزت فيها نتائج مشجعة جدا، كما أنني أدرك الدور الكبير والهام الذي يقوم به بعض المختصين بالشؤون الرياضية في ميدان التكوين والتأطير والرعاية التقنية.. لكن “مخرجات” هذه المجهودات مجتمعة أو منفصلة لا تعكس النتيجة المأمولة ولا تجسد أفق انتظار المعنيين بالثقافة الرياضية في الاقليم.
تعيش الرياضة التاوناتية أزمة كبيرة في الوقت الراهن خاصة كرة القدم صاحبة الشعبية الاولى في معظم أحياء المدينة ولعل ما تمر به الرياضة التاوناتية حاليا هو أمر طبيعي نتيجة تراكمات كثيرة ومتنوعة أثمرت في النهاية عن تراجع كبير للكرة التاوناتية على مستوى الأندية و خصوصا الناديين ، اتحاد تاونات و وفاق تاونات، الذين يمارسان في قسم الهواة وهو ما جعل الشارع الرياضي يعيش حالة غليان كبيرة.
اتحاد تاونات الذي كانت تخشاه الفرق الكبرى أصبح يعيش مرحلة صعبة جدا، وكانت سلسلة الهزائم التي منية بها الفريق مند بداية الموسم و احتلاله الصف الأخير بعد العقوبة الأخيرة التي كلفته 15 نقطة من طرف الجامعة نتيجة خطا اداري هي الشرارة التي انطلقت من جديد لتوجه الاهتمام إلى البحث عن السبب الحقيقي لما يعاني منه الفريق من حالة خمول غريبة جعلت الثقة تكاد تكون معدومة في الوقت الراهن بين المكتب المسير و المؤسسات الداعمة وبين الجماهير الرياضية المحبة لفريقها العريق التي كانت تعيش على حلم أن تجد فريقها ينافس من أجل الصعود.
اما الوفاق الرياضي وفي بلاغ له عبر صفحته على الفايسبوك أعن من خلاله ان النادي في اتجاه الي تقديم اعتذار عام والانسحاب من منافسات البطولة، بسبب أزمة مالية خانقة ضربت الفريق منذ مدة، كما افادت مصادر داخل المكتب المسير ان الفريق على وشك سكتة قلبية بعدما تعذر عليه إيجاد موارد مالية لتسديد المستحقات التي تراكمت عليه للاعبين او الاطر التقنية، مما جعله يرفع راية الاستسلام ويعلن عن تقديم اعتذار عام هذا الموسم.
كما نجد نادي النهضة لكرة السلة الممثل الوحيد للإقليم في هذا النوع من الرياضة، و كلك نادي مقدمة جبال الريف فإن معاناتهم نفسها، فالجميع يعاني من ازمة مالية خانقة.
أين الخلل؟
تتوفر تاونات على رأسمال بشري رياضي كبير كان ومازال رفيع المستوى، ولا زلنا نتذكر النجوم الساطعة في كرة القدم والعدو الريفي والذين كانوا في مجملهم من أبناء المدينة، ولست في حاجة إلى التذكير “باكتفائنا الذاتي “على مستوى الأطر التقنية ذات الكفاءة العالية، والقادرة على إحداث تأثير بالغ الإيجابية في النهوض الرياضي المحلي، لكن “مطرب الحي لا يطرب”!
الذي ينقص مدينة تاونات ويضعها في مرتبة متواضعة بل مخجلة في الميدان الرياضي والثقافي والاجتماعي.. هو غياب الكفاءة والمهنية والوعي الاستراتيجي عند “المسؤولين السياسيين”، وأنا في هذا المنحى لا أدعو إلى “رحيل”رجال السياسة عن الدائرة الرياضية ولا يحق لي ذلك، غير أن المنتسبين “للمشهد السياسي” التاوناتي غالبيتهم متطفلون على الفعل السياسي النبيل، يعانون نقصا في “المناعة الديمقراطية”، ولا يتأخرون في “النضال” من أجل مصالحهم الضيقة وغاياتهم المادية مهما كانت “الوسائل” ، صحيح هناك نساء ورجال يمارسون التجربة السياسية بمعناها الراقي الشريف، لكن عددهم قليل مقارنة مع الفئة الأولى، ولعل فيروس “الارتزاق السياسي” وراء المآسي المحزنة لهذه المدينة، التي كان من الممكن أن تضاهي أرقى المدن المغربية تنمية و ازدهارا وتقدما، لأنها باختصار تتوفر على كل عناصر القوة الضاربة وأخص بالذكر الموقع الجيواستراتيجي الاستثنائي، والجماهير المتذوقة والعاشقة للفعل الرياضي متعدد المجالات.
وخلاصة القول لن تقوم للمنجز الرياضي قائمة في مدينة تاونات على يد كائنات سياسوية منغلقة متجاوزة، عاجزة كل العجز عن الفصل المطلوب بين العمل السياسي المرتبط بالمشاريع المجتمعية المركزية والمحلية، وبين التعاطي الذكي مع المنجز الرياضي كرافعة اقتصادية حيوية، تخلق مناصب شغل وازنة وتنتج الثروة، وتعمل على تمتين أواصر الساكنة التي ستشعر بقدر كبير من القيمة الحضارية، الأمر الذي يحثها على المزيد من الإبداع والعطاء والإشعاع في سياقات مجتمعية أخرى، وهذا يستدعي كفاءات تدبيرية وأطر تسييريه مثقفة تحسن الفصل المحكم بين السياسة والرياضة، وهذا النموذج من الأطر والكفاءات حاضر بقوة في عروس الشمال، لكن كيف الوصول إلى موقع القرار في مناخ سياسي غير سليم حتى لا أقول أكثر من ذلك؟