عادل عزيزي
أرقام ومعطيات مقلقة صرح بها أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، مؤخرا، تنذر بانقراض الطبقة المتوسطة، إذ توقع بقاء طبقتين غنية وفقيرة بالمغرب، مبرزا أن الأسعار المرتفعة التي تسبب احتقانا اجتماعيا منذ عدة أسابيع لن تنخفض، وستصبح أمرا واقعا.
كما انتقد الحليمي بنك المغرب، بعد الخطوة التي أقدم عليها برفع سعر الفائدة، متسائلا في حوار مع “ميديا 24” عن الجدوى الاقتصادية منها، كما أكد أن الغلاء لا يرجع إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية في الأسواق الدولية وإنما إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية التي يتم إنتاجها محليا.
وقال الحليمي، إن “التضخم يجب أن يؤخذ على أنه حقيقة هيكلية ومحلية، وعلينا أن نعتاد على التعايش معه”، مستشهدا في هذا الصدد، بالجفاف الذي أصبح اليوم بالمغرب عاملا هيكليا في السنوات الأخيرة، ليؤكد بذلك أن التضخم ليس مستوردا بل هو محلي، وبأن سببه هو نقص الإنتاج أي العرض الداخلي وليس الطلب، مردفا” لذلك لم نعد في حالة تضخم مستورد، لأن الغذاء، وخاصة الفواكه والخضروات، يتم إنتاجها محليا في المغرب”.
وعلى عكس النهج الذي ذهب إليه “المخطط الأخضر” الذي أعطى الأولوية للزارعات التصديرية على حساب الزراعات المعيشية والتي دمرت الثروة المائية للوطن وقتلت الفلاح الصغير، شدد الحليمي، على أنه من الضروري العمل على حل جذور المشكل أي الإنتاج من خلال إحداث ثورة من أجل تغيير نظام الإنتاج الوطني، والتحرك نحو السيادة الغذائية وإنتاج ما نستهلكه في المقام الأول، مع الاعتماد بشكل كبير على التقدم التقني والتكنولوجي لتحسين “الغلة”، مردفا “علينا أن ندرك أننا في وضع يجب أن تمر فيه الزراعة بثورة من أجل تغيير نظام الإنتاج”.
لذلك يرى المندوب السامي، أن التضخم سينخفض عندما “سننفذ الإصلاحات المتعلقة بتحسين الإنتاج الداخلي مع العمل على “تنظيف” دوائر التوزيع”.
وخلافا لما تروج له الحكومة، بأن الأمور بخير وبأنها سنت إجراءات وتدابير ستنقذ الاقتصاد الوطني وستحد من ارتفاع الأسعار والتضخم، شدد المندوب السامي، أنه يجب التعامل مع الرأي العام المغربي باحترام باعتباره ناضجا وإخباره بالحقيقة، حتى يكون على دراية بالإصلاحات التي يجب القيام بها، قبل أن يضيف “ما أراه هو أننا نفعل العكس تماما بالقول إن كل شيء على ما يرام وأن مشكل التضخم سيحل من خلال الآليات النقدية، لسبب بسيط هو أن هذا يسعد المنظمات الدولية..”
هذا وخلص المتحدث ذاته، إلى أن الرافعة المالية ليست هي الحل لخفض التضخم، وإنما الإصلاحات الهيكلية لسياسات الإنتاج، لأن لدينا مشكل العرض وليس الطلب، يقول الحليمي، مؤكدا أن تنمية البلاد اليوم وإنقاذها تعتمدان على زيادة الأسعار، وأن التضخم جزء من فترة إصلاح، ونقلة نوعية في السياسات الاقتصادية، مضيفا “هذه هي الطريقة التي تطورت بها العديد من البلدان، يجب أن نواصل جهودنا لتنمية البلاد والتعود على التضخم”.
و تفاعلا مع التصريحات التي أدلى بها المندوب السامي لمندوبية التخطيط، أحمد الحليمي، تساءلت أمينة ماء العينين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، إلى متى ستظل الحكومة الحالية نعامة حقيقية تخفي وجهها في التراب وتُمني الناس بأوهام لن تتحقق قريبا؟
وأضافت ماء العينين في تدوينة نشرتها بحسابها على فيسبوك، “بل الأسوأ أن تظل مصابة بمتلازمة “العشر سنوات” الماضية تلصق بها كل مآسيها وعجزها وكل هذه الكوارث التي حلت معها وكأنها لعنة… وأية لعنة”.
ونقلت ماء العينين بعض تصريحات الحليمي ، ومنها قوله: “يجب التعامل مع الرأي العام على أنه ناضج وقادر على الفهم حتى يستوعب ما يمكن القيام به من إجراءات، غير أن العكس هو الذي يحدث”، مؤكدة أن المندوب السامي لم يخفِ غضبه ولا عدم اقتناعه لا بالتواصل الحكومي ولا بالمنهجية التي تُدبَّر بها الأزمة.
واعتبر ت المدونة ذاتها، أن أقوى ما صرح به المسؤول العمومي، هو ضرورة التعايش مع التضخم والتكيف مع غلاء الأسعار لأنه ليس مؤقتا ولا مستوردا، إنه تضخم محلي الصنع والهوى، حل بيننا نتيجة لأزمة العرض وليس لأزمة الطلب
ومن جانبه يرى الإعلامي يونس مسكين، أن المعطيات التي كشف عنها المندوب السامي، تؤكد أننا، بصدد “الانتقال من مرحلة الخصاص التنموي والتفاوت الطبقي، إلى مرحلة جديدة عنوانها الاندحار الجماعي لجميع الفئات الاجتماعية (باستثناء الفئة الناجية العليا)”.
واعتبر في تدوينة على صفحته بـ”فيسبوك”، أن الأزمة التي نعيشها حاليا “ليست عابرة ولا ظرفية، وما نسميه اليوم تضخما سوف يصبح أمرا واقعا دائما، أي أن مستوى الأسعار الحالية مستمر وليس عابرا، والسبب ليس الأزمات الدولية ولا الجائحة، بل سوء التدبير والتخطيط الذي قادنا إلى تجفيف مواردنا المائية وتحويل نموذجنا الإنتاجي في الفلاحة إلى مجرد حديقة خلفية للأجانب، مقابل تراجع الإنتاج الوطني الموجه لتلبية الحاجيات الداخلية”.
وشدد على المغاربة، أن يستيقظوا قبل أن يتسع الخرق على الراقع، مردفا “بلادنا ليست بخير ولا تتجه نحو خير. وما تبقى من أدوات المقاومة من داخل الدولة تبدو اليوم أضعف من أن تواصل الصمود، ولننظر إلى ما يحصل مع بنك المغرب وصرخة مندوبية التخطيط”، مشددا على رجالات الدولة ومتنوري المجتمع، أن يكسروا صمت القبور ويبادر كل من موقعه وبأدواته إلى المساعدة في تثبيت السفينة.