عادل عزيزي / تاونات
حدثنا مواطن يعيش في مدينة تاونات و هو من الصالحين ومن الذين هم معروفون بثقتهم وصدقهم قال:
أنا حزين جدا.. حزين على نفسي و على بلدي.. حزين على خطاها التي تبدو في خارطة الضياع، فقد تغولت عليها الذئاب والضباع..، حزين انا على نفسي و على بلدي و على امتي..، و مستاء من نفسي و من أهلي و من أصحابي..
أستيقظ في الصباح ولا أرغب في مغادرة الفراش، لأن لا شيء يحفزني على مغادرته، ولأنني لا أستطيع أن أبقى ممددا أتنقل بخيالي من مشكلة إلى أخرى، وأحاور شخصي في قضايا شتى، أرغم نفسي على ترك الفراش اللعين حتى لا أبقى بين المطرقة والسندان تارة أقرر وتارة أخرى أتراجع عن قراري، محاولا إيجاد حلول لمعاناتي مع مدينتي المهمشة، أقوم فأتوضأ وأصلي صلاة الصبح دون أن أصلي صلاة سنة الفجر التي غالبا ما يكون قد فات وقتها، ثم أتناول وجبتي الأولى في البيت كعادتي، لأني لست من هواة فطور المقاهي والتباهي، ممارساتي هذه وأخرى خارج البيت أصبحت عادة اعتدت عليها، أغادر المنزل وأتوجه إلى المقهى مثل كل رجال وشباب المدينة الذين لا ملجأ لهم غير المقاهي في غياب فضاءات الترفيه وفضاءات قضاء الوقت الثالث، بحيث بين مقهى ومقهى توجد مقهى وكلها مملوءة عن آخرها، وبذلك فمدينتي مدينة العاطلين والمعطلين بامتياز مدينة الحيارى و المهمشين.
تارة تكون وجهتي مقهى شعبي وسط المدينة وفي موقع استراتيجي، جل زبنائها إن لم أقل كلهم عاطلون عن العمل، وأعمارهم تتراوح بين العشرين والخمسين سنة، يشبهون محرومي فرنسا في القرن الثامن عشر، وكأنهم يجسدون شخصيات رواية البؤساء لفيكتور هيغو( نصابون، محتالون، مطرودون، نشالون ومتسولون) يدخنون الحشيش ويجعلونه أولوية الأولويات، لا أحتقرهم وفي نفس الوقت لا أعيرهم أي اهتمام، هم في عالمهم الخاص، ومقتنعون أنه لا بديل لهم عن هذه الحياة مادامت مدينتهم مهمشة وتفتقد إلى فرص الشغل، فهي ليست بمواصفات المدينة ولا بمواصفات القرية، هي سوق في الهامش يقصده الزبناء من كل حذب وصوب، فالطريق إليه معبدة.
أستوي على كرسي بواجهة المقهى الشعبي، وأطلب كأس شاي “مشحر”، أرفع عيناي فأجد الناس يتركون الرصيف لكراسي المقاهي الممتدة على طول الشوارع ولسلع الباعة المتجولين أو لسلع التجار الذين لا يحترمون الملك العمومي، ويشتركون الطريق مع السيارات وعربات الخضر والفواكه وكذلك الملابس وأنواع العصائر والمأكولات الشعبية، مما يشكل فوضى تتسب أحيانا في شجارات بالسب والشتم وبكلام نابي، وبالضرب والركل ولم لا باستعمال السلاح الأبيض، وهو ما يجعلني أشعر ببؤس شديد وحزن عميق على مدينتي التي كانت قبل هذا يسودها الهدوء، مدينة العلم والمعرفة.
وقبل أن أتم شرب كأس الشاي “المشحر”، أعود من حيث أتيت إلى فراشي اللعين مشحونا بالطاقة السلبية التي وبغير ارادتي أسقطها على عائلتي الصغيرة، وسرعان ما أعي أنني ظالم أقدم اعتذاري، فهذا هو حالي بمدينتي عفوا بقريتي عفوا لا هي بمدينة ولا هي بقرية.
تلكم مدينتي.. كتب عليها الحزن و الأسى.. وكتب على شبابها التهميش و البطالة وكتب على سكانها العزلة و الضياع..؟