عادل عزيزي / تاونات
لم تمض سوى أشهر معدودة على انتخابات 8 شتنبر، حتى تكشفت بالعديد منها إشكالات عميقة تكاد تشكل القاسم المشترك بين مختلف الجماعات بإقليم تاونات، والتي تعاني من أزمة تدبير وتسيير أكثر منها أزمة موارد وإمكانيات مادية، جماعة تاونات نموذجا.
يتقاسم المتتبع للشأن المحلي بمدينة تاونات وكذا زوارها، نفس الانطباع بأن المدينة تعيش حالة ركود لازمتها لسنوات طويلة، ولم تستطع الانفكاك منها على غرار مجموعة من المدن المغربية، نظراً لغياب سياسات عمومية قادرة على انتشالها من وضعية غير مشرفة لمدينة تعتبر عاصم الإقليم، وهو ما جعلها تنعم بمختلف مظاهر الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والرياضية والثقافية والسياسية… إنها باختصار مدينة منسية إلى إشعار آخر.
إن الجواب عن غياب التنمية بمدينة تاونات مسؤولية تتقاسمها بنسب مختلفة مجموعة من الفاعلين، المجلس الجماعي، السلطتين الإقليمية والمحلية، المجلس الإقليمي، مكونات المجتمع المدني، المواطن، الإعلام…، لكن مسؤولية المجلس الجماعي بحكم اختصاصاته التي أوكلها إياه القانون التنظيمي 113.14 تعد جد مهمة في النهوض بالتنمية المحلية، من أجل تيسير كل الشروط التي تخول الموطن أن ينعم بحياة كريمة .
لقد مرت سنتين من عمر تدبير المجلس الجماعي لتاونات، ولعل الحصيلة الميدانية تجعلنا نقر وبدون تردد بأن الحصيلة دون مستوى انتظارات الساكنة، بسبب مجموعة من العوامل يصعب حصرها، لكن يبقى عنوانها الأبرز أن المجلس الجماعي تدبره أغلبية عاجزة عن تقديم حلول ميدانية وناجعة، في مقابل ذلك معارضة غائبة عن ممارسة أدوارها، وهو ما رهن المدينة لحالة من الانتظارية التي بدأت تشكل قناعة عند جزء كبير من الفاعلين أنها وضعية مقصودة.
إن مكمن ضعف أداء المجلس الجماعي لتاونات، يعزى بالدرجة الأولى إلى فشل رئيسها في الترافع من أجل استقطاب موارد مالية كفيلة بتنمية المدينة، على غرار مجموعة من الجماعات التي تمكنت بفضل مجهودات رؤسائها من الاستفادة من مبالغ مالية مهمة وعقد شراكات قطاعية همت مختلف المجالات الحيوية، يزداد الوضع سوءا مع تواضع فاعلية المكتب المسير وعدم نجاحه على مستوى الرفع من قدرته الاقتراحية والمتابعة والتقييم، مع تسجيل مبادرات محدودة ومعزولة لبعض الأعضاء، إن جزء من أعطاب المجلس الجماعي لمدينة تاونات هو غياب التدبير التشاركي بين مكوناته أغلبية ومعارضة.
كذلك نرى غياب تام للمعارضة في أداء دورها، فالقانون التنظيمي14-113 أعطى لها صلاحيات هامة في المجالس الجماعية كي تطلع بأدوارها على أكمل وجه، و قد عزز دستور 2011 هذا التوجه ليجعل من المعارضة آلية للمراقبة الحقيقية، و التي تتدخل وفق صلاحياتها القانونية و التنظيمية للتعبير عن رفضها و غضبها من كل الاجراءات و المشاريع التي تنهجها الأغلبية، لتمرير مخططاتها التي لا تتماشى مع تطلعات الساكنة، بل تعاكس توجهات الرأي العام المحلي، و مصالحه الحيوية التي من أجلها أحدثت الجماعات الترابية لخدمته و تحقيقه، و لتكون فيه المعارضة هي لسان الشارع الذي ينقل في الدورات العادية و الاستثنائية، و في مختلف المناسبات و التجمعات هواجسه و مطالبه .
غير أن المضحك المبكي، هو أن المعارضة في تاونات، أو بالأحرى الحزب الذي يشكل المعارضة في جماعة تاونات، شبه غائب عن المشهد السياسي، اذ لم نر له أثرا أو تأثيرا أمام ما يحدث من دمار و خراب للمدينة، و كأن ما يقع بالمدينة من تعثر و فشل للمشاريع، و ما تتعرض له البنية التحتية للمدينة من حفر و هدم و كوارث بيئية، و ما أصبحت عليه المدينة من تشوهات جمالية و اجتماعية، و أعطاب اقتصادية و سياسية لا يعنيها، أو بالأحرى، لا يدخل في صلب مهامها و اهتماماتها. فبقدر ما وسع القانون التنظيمي السالف الذكر من صلاحيات المعارضة في الجماعات الترابية لامتلاكها الحق و الصفة، بقدر ما بدأنا نرى أن دور المعارضة يخفت و يستكين داخل هذه المؤسسة الترابية، و يلتهب أكثر عنفوانا و فضحا و جرأة عند نشطاء الفايسبوك عبر تدويناتهم، أو على الصفحات المحلية الالكترونية التي أصبح تأثيرها أكثر من المعارضة الشكلية التي تتواجد في حالة من التماهي و الشرود و التفرج على أحزان و ماسي المواطنين.
المعارضة ليس دورها رفع الأصبع أثناء و بعد التصويت، فهذا أمر محسوم ما دامت الأغلبية أغلبية، و المعارضة أقلية. ولكن على المعارضة أن تنتقد الأغلبية بجرأة و مكاشفة و علانية أمام الرأي العام، و دون خوف من الحسابات السياسية الضيقة التي تعيق طرح البدائل، و الآراء النقدية التي تتماشى مع الطرح العلمي السليم، و تحتج بقوة أينما وجد الخلل، و تتواصل مع الجهات الخارجية للتدخل، و تراسل المؤسسات لإيفاد اللجن، و تتواصل مع الرأي العام ببلاغاتها و بياناتها لتفضح المستور و الدسائس و المؤامرات و الصفقات المشبوهة، و تحتج للوصول الى المعلومة، و تخضع الأغلبية للمساءلة المحرجة، و تبتكر أشكالها النضالية.
إن من أسباب استدامة الأزمة بمدينة تاونات، غياب نخب محلية قادرة على مباشرة ملف التنمية المحلية بكل مسؤولية وفاعلية واقتدار، والتي تجعل المصلحة العامة فوق كل اعتبار، ولعل النقاشات التي تشهدها دورات المجلس الجماعي خير مؤشر على ذلك….
إن هذه الوضعية تقتضي وبشكل استعجالي من المؤسسة الحزبية بالمدينة، أن تقوم بضخ نخب جديدة خلال مستقبل الاستحقاقات الانتخابية القادمة تتصف بحس مواطناتي عال، غير ذلك، فأبشركم باستمرار الوضع الحالي وقد يسوء إلى أن يشاء الله.
وعلى المواطن من جهته أن يتحمل كامل المسؤولية في اختيار المنتخبين على أسس الكفاءة والأمانة بعيداً عن منطق الزبونية والرشوة والولاءات العائلية والقبلية، وأي سلبية من طرفه سوف يتحمل تكلفتها باهظة.
الإعلام المحلي بدوره معني بالانخراط الايجابي، في دعم مختلف المبادرات الايجابية من أجل إشاعة ثقافة الأمل لانتشال المدينة من حالة الاحتباس التنموي .
إن الوضع العام بالمدينة على مختلف المستويات لم يعد يغري أحداً بالاستقرار بالمدينة، لكن ينبغي الانتباه إلى أن هذه الأخيرة هي عاصمة الاقليم، مما يجعلها تستحق كامل العناية والاهتمام في التوزيع العادل للإمكانات المادية والبشرية الكفيلة بالنهوض بأوضاعها التنموية، وكفيلة أن تنال المدينة حقها من التنمية في سياق تحقيق عدالة مجالية.
إن الدافع لكتابة هذه المقالة، هو من أجل فتح نقاش عمومي بين مختلف الفاعلين في مجال التنمية المحلية بالمدينة، من أجل تقديم أجوبة جماعية قادرة على فك جزء من أعطاب تدبير المجلس الجماعي لتاونات، بعيداً عن منطق النيل من سمعة الأشخاص التي تستوجب منا كل التقدير والاحترام والإيمان بالاختلاف، الأمر الذي لا يمنعنا تقييم أداء مسؤولية الأفراد على المهام التي أنيطت بهم، والتي تقتضي ربط المسؤولية بالمحاسبة، وجعل الانتداب المحلي جزء من استحقاقات المواطنة الصادقة، وليس بوابة لتحقيق المصالح الشخصية المنفلتة من رقابة دولة الحق والقانون.