هل قدم عامل إقليم تاونات ما كان منتظرا منه..؟

الحقيقة 2419 أبريل 2023
هل قدم عامل إقليم تاونات ما كان منتظرا منه..؟

سفيان.ص

شكل تعيين العامل لإقليم تاونات، السيد صالح الدحا، تفاعلا كبيرا من طرف الفاعلين الجمعويين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضا الرأي العام المحلي، معبرين عن أملهم في أن يتمكن العامل الجديد، من إخراج عدد من المشاريع الهامة بالإقليم و إيجاد حلول لملفات كبرى طال انتظارها.


لكن و للأسف يتفق الكثير من المهتمين بالشأن المحلي بإقليم تاونات، على أن العامل الحالي صالح الدحا لم يقدم ما كان منتظرا منه كممثل جلالة الملك بإقليم مهمش يعاني الاقصاء والهشاشة.
فأغلب المشاريع التي دشنها عامل تاونات يقول متتبع للشأن المحلي كانت من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، واستهدفت بشكل أساسي بعض المرافق الخدماتية بالإقليم.


لكن، هل يكمن دور عامل الإقليم في تدشين مشاريع التنمية البشرية؟


بالرجوع الى مهام العمال كما حددها الدستور المغربي، نجد أن من مهام العمال هناك تمثيل الدولة في العمالات والأقاليم والجهات، السهر على تنفيذ القوانين، وتحمل المسؤولية عن تطبيق قرارات الحكومة، تحمل مسؤولية تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية.
هذا جعل العمال يحتلون مكانة في البناء المؤسساتي على المستوى الترابي باعتبارهم ممثلين للدولة ومشرفين مباشرين على عمل المصالح الخارجية للوزارات، وباعتبارهم كذلك مسؤولين عن تطبيق قرارات الحكومة وتنفيذ القوانين.
وهي الاختصاصات التي تخول لهم بامتياز لعب ضابط إيقاع عمل مختلف مؤسسات الدولة على المستوى المجالي.
فالعمال يترأسون عدد كبير من اللجان المشرفة إما على اقتراح أو تنفيذ السياسات والبرامج في لمختلف القطاعات الوزارية وفي مختلف الميادين، وفق ما تنص عليه النصوص القانونية والتنظيمية وكذا برامج هذه القطاعات، وذلك في كل المجالات تقريبا، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره طبيعيا بالنظر للأدوار المحددة لهم في الدستور.


كما يمارسون دور الوصاية الذي يمارسونه على الجماعات المحلية طبقا لمقتضيات القوانين التنظيمية المنظمة لذلك فهم يتحولون عمليا إلى المشرف الرئيس على عمل كل من المصالح الخارجية والمؤسسات التابعة للحكومة وكذا على الجماعات الترابية، وإذا أضفنا إلى ذلك أدوارهم في تنسيق تدخل المؤسسات الأمنية على مستوى مجال تدخلهم، فإن هذا يجعلهم يتحملون المسؤولية الأولى في تطبيق سياسة الدولة ككل على مستوى مجال تدخلهم، بالإضافة الى هذا فدورهم يمتد إلى المجالين الاقتصادي والتنموي بشكل عام، حيث يلعبون دورا بالغ الأهمية في تيسير إنعاش الدورة الاقتصادية على المستوى المجالي.


كما يمثلون السلطة الوصية في الجماعات الترابية عوض الدولة كما كان منصوصا عليه في الدستور السابق، وهو تغيير عميق الدلالة ويأتي منسجما مع تعزيز موقع الجماعات الترابية، خاصة الجهات، بحيث أن تمثيلية الدولة أصبحت مركزية، فالملك هو الممثل الأسمى للدولة ( الفصل 42) وباقي المؤسسات تقوم بمسؤولياتها وفق اختصاصاتها الدستورية والقانونية.
فهل عامل إقليم تاونات سبق له أن مارس دوره القانوني والاجتماعي والاقتصادي؟


فبعد وقت قصير من تعيينه، تبين أن العامل الجديد له طريقـته الخاصة في تحديد لائحة الانتظارات، وتبين فيما بعد، أن المقاربة المعتمدة كانت أيضا ستمكنه من التعرف على الإمكانيات البشرية والكفاءات المتوفرة، والاقتراب من النخب المؤثرة والفاعلة .
   هكذا، أعلن العامل عن تفاصيل مقاربته، ودشن تفعيلها بلقائه مع جميع المجالس الجماعية على تراب الإقليم، ثم بمختلف فعاليات المجتمع المدني ، لتليها بوثيرة يومية، اللقاءات مع كل من : الأحزاب السياسية ، النقابات، الجمعيات الحقوقية…، وهي لقاءات أتاحت له ترتيب لائحة الانتظارات، حسب أهميتها.


بعد هذه اللقاءات التي أطلق عليها حينها بالتواصلية، استبشرت الساكنة خيرا خصوصا والإقليم يعاني هشاشة قاتلة وإقصاء ممنهج ، فهناك جماعات تنتظر فك العزلة عنها، وسكان لا يطلبون إلا قطرة ماء للشرب، وآخرون ينتظرون فتح مراكز صحية لتجنب مخاطر الطريق عند نقل حواملهم وأطفالهم للمستشفى الاقليمي، وطلبة ينتظرون إخراج مشروع النواة  الجامعية للوجود لتخفيف العبء على آبائهم، وأسر اضطرت لتوقيف بناتها عن متابعة دراساتهن بسبب بعد المدرسة، ومعطلين اتخذوا أبواب العمالة مقراتهم الدائمة في انتظار التفاتة أو حتى لقاء مفتوح…


فبالرجوع الى المدة التي قضاها عامل الاقليم على رأس مؤسسته، وتفحص ما تم فعله خارج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، هناك حصيلة ضعيفة بالمقارنة مع عمالات أخرى، فلا زالت هناك جماعات تعاني العطش في إقليم يحتوي على خمسة سدود و فرشة مائية مهمة، وأخرى محاصرة بسبب البعد أو عدم وجود طرق أو حتى مسالك، ولا زلنا نجد آباء يضطرون لتوقيف بناتهم بسبب عدم وجود مؤسسة التعليم الاعدادي/الثانوي بالقرب من سكناهم، ولا زلنا نتابع نساء حوامل يتم نقلهن بشكل غير إنساني في وسائل النقل العمومي في اتجاه المستشفى الاقليمي بسبب عدم وجود دار للولادة أو حتى مركز صحي، ولا زلنا نرى الحفر تتوسط الطرق وأحيانا تتسبب في حوادث سير قاتلة، ولا زلنا نرى قنوات الصرف الصحي تفرغ حمولاتها بالأزقة والشوارع، ولا زلنا نرى وقفات لسكان يحتجون، طلبا للعيش الكريم، ولا زلنا نتابع عبر مواقع التواصل الاجتماعي كيف يتذمر الشباب من واقع حالهم بهذا الإقليم، ولا زالت البطالة في تصاعد خطير، انتشار المخدرات، توقف مشاريع وتعثر أخرى….


هذا لا يعني، أن الرجل لم يحقق شيء يذكر، بل ساهم في إخراج الكثير من المشاريع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لكن السكان، في حاجة الى مشاريع تساهم في تنمية الاقليم، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.


الإقليم يعرف ارتفاع نسبة البطالة، جراء غياب المصانع والشركات، هو ما كان يتطلب من العامل الجديد بذل مجهود مضاعف فيه من أجل المساهمة في جلب مستثمرين للإقليم، لما سيلعبه في التنمية المحلية والتخفيف من البطالة التي أصبحت تؤرق شباب الاقليم.


ركود اقتصادي مخيف، توقف وتعثر لعدد كبير من المشاريع، تراجع الاقتصاد المحلي، ما دفع شباب الاقليم للهجرة بحثا عن عمل قار يضمن الحياة العادلة.


فالكثير من المتتبعين للشأن الاقليمي يرون أن العامل الحالي لم يقدم الكثير للإقليم باستثناء مشاريع محسوبة على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وهي تعد على رؤوس الأصابع، وهو ما جعل الاقليم يحتل المرتبة الأخيرة في سلم الترتيب بالجهة، تأخر ملموس في كل القطاعات، تعثر ملحوظ في كثير من الأوراش، يرجعه المهتمون بتداخل السياسي بالإداري و غياب تام للمراقبة من طرف السلطات الوصية.


الساكنة في آخر هذا المقال تحتاج إلى إرادة حقيقية، قادرة على حل كل الاشكالات، لها من الأدوات والآليات ما يجعلها متحررة من اللوبي السياسي، لها من الفطنة ما يساعدها على التقاط رسائل جلالة الملك فيما يتعلق بالتنمية المحلية، لها من الجرأة ما يجعلها قادرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.


أختم بما قاله لفتيت وزير الداخلية المغربي بخصوص رجل السلطة ودوره المحوري “الدور المحوري الذي يلعبه رجل السلطة ضمن المنظومة المؤسساتية أصبح اليوم أكثر تعقيدا، بالنظر إلى التطورات المتسارعة التي تعرفها بنيات المجتمع والحاجيات والانتظارات الآنية والملحة للمواطن في كل المجالات المرتبطة بحياته اليومية”.


هي ملفات ضخمة كانت تنتظر السيد العامل إيجاد حل لها، و كانت الساكنة تعلق أمالا كبيرة عليه لتحقيق طموحاتها، حتى يشهد الاقليم تنمية حقيقية، ويستفيد من مشاريع تنموية كبرى، لكن هذا الحلم تأجل الى وقت لاحق؟

Breaking News