مخدرات الشكلاط الكالة الغبرة البيضة و الجوانات تغزو الأحياء والمؤسسات التعليمية بتاونات ، و المراهقين أكثر الضحايا

الحقيقة 2426 مايو 2023
مخدرات الشكلاط الكالة الغبرة البيضة و الجوانات تغزو الأحياء والمؤسسات التعليمية بتاونات ، و المراهقين أكثر الضحايا

عادل عزيزي / تاونات

في هذا “الربورتاج” الذي أنجزته جريدة ” الحقيقة 24″، سنحاول من خلاله ملامسة ظاهرة الانتشار المهول للمخدرات بتاونات التي تستهدف الشباب و المراهقين على الخصوص، و التي تنذر بكارثة اجتماعية كبيرة.

“الكالة”، “الشكلاط”، “الغبرة البيضة”، “الجوان”..، تعددت الأسماء للسم المخدر القاتل و المسمى واحد “ضحايا” وعاهات و إفرازات مدمرة للفرد و المجتمع، ليست أسماء حلويات منزليه ولكنها أسماء مختلفة من المخدرات التي يتناولها الشباب و المراهقون، يعتبرها بعضهم كلمة السر، يتم تداولها بينهم بتكتم شديد، فيما البعض الآخر وبكل جرأة يقر تناوله للمخدرات من معجون، كالة، حشيش إلى الغبرة البيضاء.

أرقام مخيفة

فقد أخذت ظاهرة تعاطي المخدرات و خصوصا ” الكوكايين” في أوساط مختلف شرائح المجتمع بتاونات، وخاصة الشباب منهم وحتى المراهقين في المدارس منحى خطيرا، وتعد هذه الظاهرة معضلة خطيرة تهدّد مستقبل أجيال وتضع مستقبل هذه المدينة على المحك، مع لجوء هؤلاء مؤخرا إلى تعاطي نوع جديد من هذا السم القاتل “الكوكايين” الذي اصبح تعاطيه مودة ولا يخجلوا من الإفصاح عن استهلاكهم لها.


الأرقام تؤكد أن انتشار المخدرات في صفوف المراهقين متواجد بشكل كبير، فحسب دراسة قامت بها إحدى المستشفيات في المغرب خلال النصف الأول من سنة 2011 فإن 37.5% من المراهقين ما بين الـ 14 و19 سنة يدخنون، في حين أن 15.2 من هؤلاء التلاميذ يواظبون على شرب الخمر في المناسبات، حجم انتشار المخدرات في صفوف تلاميذ المدارس المغربية يساهم فيه تواجد شبكات تنشط أمام المدارس من أجل جر رجال الغد إلى عالم المخدرات.

أولها “ضسارة” واخرها ندامة


يدفع الفضول وحب الاستطلاع والمغامرة العديد من الشباب والاطفال المتمدرسين إلى خوض العديد من التجارب كتجربة الحبوب المهلوسة التي تروج بكثرة بمحيط المؤسسات التعليمية المغربية، حيث تجتذب أعينهم وعقلوهم بشكل يجعلهم يدمنونها ويصعب عليهم الاقلاع عنها مبررين إدمانهم بأن تلك الحبوب تذهب عنهم الخجل والمشاكل وتحولهم إلى أشخاص غير عاديين وأقوياء في عيون غيرهم.
أول طريقها مفروش بالنشوة والفرح والسرور، وآخره محفوف بالمرض والجنون…، هي ذي طريق من أدمن المخدرات، التي تبتدئ بمحاولة التجريب وتنتهي إلى التخريب والهدم..، تخريب أجساد المدمنين وتدمير عقولهم..، في ملخص التحقيق التالي محاولة من “الحقيقة 24” لرصد حالات إدمان شباب و مراهقين من مدينة تاونات وضواحيهما، كان يفترض أن يكون همهم تحصيل العلم، وفي غفلة من آبائهم صاروا “عبيدا” طائعين للمخدرات باحثين عنها بشتى الوسائل وبمختلف الطرق..، يستوي في ذلك الذكور والإناث، الذين انفلتوا من رقابة الآباء فوجدوا الباب مشرعا أمامهم لاحتراف استعمال المخدرات، وعندما علم الآباء بأمر بعضهم كان أوان الإنقاذ قد فات…

من تحصيل العلم إلى التيه و الضياع


قرب بوابة إحدى المؤسسات التعليمية، تجمع بعض التلاميذ، كما اعتادوا منذ مدة، جمعت بينهم أشياء أخرى غير الدراسة، إنها المخدرات وتدخين “الشيرة”، أي الحشيش، بين يدي أحدهم قطعة يهيئها، فيما كان زميله يعد ورقة التبغ “الليبرو”، ويفتت بين يديه أحشاء سيجارة شقراء، بنشوة كبيرة تناوبوا على تدخينها، وكرروا العملية لمرات عدة.
واعتبر أحد التلاميذ أن ما يقومون به هو أخف الأضرار، مقارنة مع الباقين الذين يستعملون المخدرات القوية من زملائهم.لأن “الكوكايين” في رأي الكثير من الشباب و المراهقين أصبح موضة العصر، ولا يخجل هؤلاء من الإفصاح عن استهلاكهم لها.

قصص متشابهة بنهايات مختلفة


دشن أنس دخوله عالم الإدمان بتدخين السجائر في المرحلة الإعدادية، وهو لم يتجاوز بعد الثالثة عشر من عمره، أنس الذي امتنع في البداية عن سرد حكايته، لكن بعد أخذ ورد في الكلام بدأ يسترسل في الحديث.


قال إن البداية كانت “عياقة” لإثبات ذاته أمام زملائه في المدرسة، باعتبار أن ذلك رمزا للرجولة، هذه التجربة الأولى أثارت فضوله للبحث عن مواد أخرى كالحشيش والمعجون، وكذا الكحول، تجربة المعجون تأتي في مرحلة ثانية بعد السجائر والشيشا.
تسببت لأنس أول جرعة أخذها من “المعجون” لحظات قبيل أن يدخل إلى قاعة الدرس، في فقدان كامل لوعيه، كما أصيب بحالة هستيرية من الضحك، فأخذ يستهزئ من زملائه، ليقوم الأستاذ بطرده من الفصل، ليبصم بذلك أولى خطواته في عالم الإدمان “المظلم والمدمر”، باحثا عن شتى الوسائل المخدرة الأخرى رفقة أصدقائه قبل أن يسقط في”شباك البلية”.


يحكي “أنس” بكل مرارة معاناته مع الإدمان الذي جعل منه شخصا منبوذا من طرف أصدقائه، شخصا يثير البلبلة، غير مرغوب فيه، بحسرة وندم شديدين يتأسف عن ضياع ثلاث سنوات من حياته الدراسية، وعلى حياته التي تحولت إلى كابوس دائم.
بحسرة عبر “أنس” عن هذا الندم، وعيناه لا تفارق الأرض في محاولة لإخفاء الحزن والألم الذي يشعر به “في الأول كانت غير “تفلية”، ومن بعد ويلات إدمان ما قدرش نتخلص منو، تمنيت لو عاد الزمن إلى الوراء لرفضت تلك السيجارة التي قبلتها ذات يوم بالثانوية بذريعة الحرية الشخصية”.

أما فؤاد فكان الفضول وحب اكتشاف طعم تلك السيجارة التي تفارق شفاه المدخنين، هو أحد دوافعه لتدخين أول سيجارة في حياته، يتذكر ياسين تجربته الأولى مع التدخين والتي تعود إلى السنة الأولى ثانوي، بقوله :”كان والدي من المدخنين فكنت أحاول اكتشاف طعم تلك السيجارة، حتى تحولت من تدخين السجائر إلى الحشيش إلى الكحول إلى الغبرة”.
ويحكي بألم أن فضوله الشبابي غير الواعي بدأ يأخذ طريق الإدمان، مشيرا إلى أنه تحول بعد ذلك إلى “سارق” في منزله لأنه أصبح يسرق بعض اللوازم الخاصة بالمنزل وبيعها من أجل تسديد ثمن المخدرات التي يجلبها من أحد البائعين الذي يتواجد بقبو إحدى العمارات بوسط المدينة.
أما ياسين فها هو جالس رفقة مجموعة من أصدقائه قرب إحدى المدارس الثانوية لإعداد لفافة الحشيش، وما أن انتهى من تحضيرها، حتى بدأ أقرانه بالتناوب على تدخين تلك اللفافة، ودون حرج من المارة، أخذوا ينفثون سيجارتهم وسط قهقهاتهم.

الإدمان ليس حكرا على الذكور


يبدو أن تعاطي المخدرات لم يعد حكرا على الذكور، فحتي الفتيات أصبح عددهن يتزايد يوما عن يوم، يبدو من قسمات وجهها أنها لم تتجاوز الخامسة عشر ربيعا وقد كان واضحا من طريقتها في التدخين أنها لم تكن المرة الأولى، لم تنزعج من الحديث عن إدمانها “ما شي أنا بوحدي اللي كنكمي” لم يتوقف إدمانها عند السيجارة بل تجاوزها لتعاطي باقي السموم القاتلة.
“إكرام”، إحدى الشابات اللواتي أدمن تعاطي المخدرات منذ أكثر من سنتين، تقول “إكرام” أصبحت المخدرات بالنسبة لي أمرا عاديا، رغم أنني لم أن أكن أتصور أنني سأتناول يوما ما المخدرات، تقول بنبرة كلها حصرة أسى “في الأول كانت غير تفلية ومن بعد ولات إدمان ما قدرش نتخلص منو ” تمنت لو عاد بها الزمن إلى الوراء لرفضت تلك السيجارة التي قبلتها ذات تحت دعوى الحرية الشخصية.


“كل يوم مخاطرة”، هكذا تقول إكرام واصفة رحلتها إلى مكان بيع المخدرات، تشق طريقها إلى هاته الأماكن رغم المخاطر التي قد تتعرض لها من اعتداء أو سرقة.


تعرض حياتها لمجموعة من المتاعب في كل رحلة يقوم بها في “سوق المخدرات” ، فبعد إدمانها أصبح لزاما عليها أن توفر لنفسها كمية تلبي حاجياتها وتطفئ نار “القطعة”، لتتحول بذلك في نفس الوقت إلى وسيطة تبيع ما تأتي به من مخدرات لأصدقائها وزملائها من ذكور وإناث.


تقول إكرام، توفر لي عملية الوساطة بين البائعين والمستهلكين، ربحا قد يصل إلى أزيد من 50 في المائة من ثمنه الأصلي، هذا الربح تبرر به مغامراتها في الذهاب لإحضار المخدرات، فكل شيء يهون أمام الحصول على المال.
حكاية إكرام هي واحدة قصص كثيرة الفتيات اللواتي أدمن علي المخدرات إما “ضسارة ” أو بسبب سوء الرفقة.

“غول” يهدد المدينة


إلى وقت قريب لم يكن تعاطي المخدرات بتاونات كبيرًا مثل الآن، وأقصى ما كان يصل إليه الشاب والمراهق، هو تدخين السجائر، في حين تغيرت الأمور الآن، وغدا تعاطي المخدرات هو الأصل، والأخطر هو نوع المخدر، إذ إن مخدر “الشيرة”، أصبح “تقليدياً”، ولم تعد تلقى ذلك الإقبال والترحيب لدى شباب اليوم، فهناك ما هو أقوى منها، و”أحسن برأيهم”.

مصدر مطلع، صرح للحقيقة 24، بأن المصالح الأمنية، تخوض حربًا ضروسا ضد مروجي المخدرات، و يضيف أن مصلحة مكافحة المخدرات استطاعت خلال وقت قصير اعتقال عدد مهم من مروجي المخدرات.

الاخبار العاجلة