تاونات.. فصل الصيف، و رحلة البحث عن الماء بإقليم يحتوي على خمسة سدود .. !؟

الحقيقة 2428 يونيو 2023
تاونات.. فصل الصيف، و رحلة البحث عن الماء بإقليم يحتوي على خمسة سدود .. !؟

عادل عزيزي

إذا كان الصيف يشكل بالنسبة إلى المسؤولين بتاونات فرصة للاستجمام والسفر إلى البحر للاستمتاع بالعطلة الصيفية، فإن الأمر بالنسبة إلى ساكنة القرى والمداشر التابعة للإقليم غير ذلك، يكون بمثابة كابوس حقيقي يتكرر كل سنة في سبيل تأمين قطرة ماء، على طول طريق متآكل تعتريه التشققات تصادف نساء و رجالا، عجائزا و أطفالا بعمر الزهور يركبون الحمير و البغال ويسارعون الخطى في سباق مع الزمن، غير آبهين بحرّ الشمس ولا بطول المسافة للوصول إلى منبع مائي طبيعي ناءٍ قصد الظفر بلترات من الماء من إحدى العيون، والحصول على كمية لا تكاد تسد حاجيات أسرهم، هذا المشهد يتكرر كل يوم عند حلول فصل صيف، هذا الأمر يحدث تراب إقليم عائم بين بحيرات سدوده، و حاملا فوق ترابه أكثر من 5 ملايير من الأمتار المكعبة من المياه السطحية العذبة، سد الوحدة بسعة اجمالية قدرها 3.800 مليار م3، سهل أسفالو بسعة اجمالية تقدر ب 317 مليون م3 ، سد بوهودة بسعة اجمالية تصل الى 55.5 مليون م3، سد الساهلة بسعة اجمالية تصل الى 62 مليون م3 ، سد ادريس الأول بسعة اجمالية تصل الى 1.186 مليار م3، لكن سكانه ينظرون الى زرقة ماء هذه البحيرات وهم عطشى، وهو ما ينطبق على قول الشاعر عنترة بن شداد في بيت من أبيات قصائده الشعرية ” كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء على ظهرها محمول”.


هذه ليست رحلة من رحلات الرحالة الشهير ابن بطوطة، و لا رحلة الشتاء و الصيف ..بل هي  “رحلة العطش ” كما سماها بعضم و أحسن في التسمية و أصاب كبد الحقيقة، الامر هنا يتعلق بمأساة حقيقية تعيشها جماعات إقليم تاونات
رحلات شبه منظمة على بعد أميال تقطعها النساء و معهن الأطفال بحثا عن أقرب مورد للماء، و بالتأكيد لن يظفروا به إلا بعد ساعات من المشي في مسالك وعرة تُغيظ الحمار الحامل للبراميل و ما أدراك عن فعلها بالإسنان و بأطفال ما ادركوا في نعومة أظافرهم سوى بؤس الحياة جريا وراء الماء بين الفجاج في الجبال المقفرة ..
و عن أي ماء يبحثون.. ! و يقطعون من أجله المفاوز.. !
ماء ستنزه نفسك عن النظر إليه فضلا عن أن توصله إلى فمك .. ماء أحمر من شدة اختلاط الطين به .. منظر نحن ألفنا مشاهدته في بعض دول افريقيا التي تعصف بها المجاعات و نوبات الجفاف كالصومال و غيرها، لن تضطر للسفر بعيدا للوقوف على هذا المشهد المبكي حقا، بل عليك فقط أن تشد الرحال الى واحدة من تلك الجماعات لتقف على ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب مسؤول جالس في مكتب مكيف.
بعد قطعة العذاب هذه بحثا عن الماء يقنع الصغار بماء أحمر كأنه متدفق من سقر و ما أدراك ما سقر لا تبقي صحة أحد شرب من هذا الماء و لا تذر ..
أمراض متكاثرة .. ميكروبات و سل و إسهال و كلس يصيب الكلى و أعضاء الجسم و أمراض لا نعلمها يموتون بها بعيدا عن أعين الأطباء فكيف لمركز صحي أن يصمد هناك أمام ندرة الماء و كيف له حتى أن يُبنى .. و من مات منهم وَدًعوه و استودعوه الارض لعلها تكون أرحم به من قوم نسوهم أو منعوهم قطرات صافية من الماء !
و لو كان هذا الماء من أجود أنواع المياه فلن تكفي منه قنينات يتأمل الصغار ملأها على بعد كليومترات من أكواخهم .. فهل هي للاستحمام ..، أم هي للبهائم ..، أم هي للشرب..، أم هي للغسيل ..، أم هي مجرد تذكار للمعاناة.. !
فضاعت كرامة هؤلاء الناس و ذهبت معها صحتهم و عافيتهم و ضاعت معها طفولة أطفال كان من الواجب أن تمتلئ بهم المدراس و الكتاتيب و يملأ ضجيج حروفهم قاعات المدارس و صدى ابتساماتهم ساحات العلم و المعرفة، لكن الحاجة و الضرورة قذفت بهم بعيدا في مسالك وعرة بحثا عن الماء لا عن العلم.. !


لا يمكن تصوير المعاناة بالصورة الكاملة .. فإنما يحس بألم النار الذي يكتوي بلهيبها ..، و هذا الأمر الذي عرضنا له الان ليس مخصوصا بجماعة معينة بل هو امر ينطبق على أحوال جماعات متعددة كل واحدة باسمها منتشرة على طول جغرافية هذا الإقليم الشايع.


و إذا سألت عن الحلول، فأمرها هين للغاية، لو سُئل أصغر هؤلاء الفتية من أصحاب رحلة العطش عن حل لأجابك صريحا ..، أنه يريد ربطا للماء بمنزل أسرته ..، أو أنه يريد بئر ماء قريبا من بيته، و آخر قريبا من مدرسته، و آخر قريبا من مسجده ..، أو “سقايات ” منتشرة على أطراف القرية و في أوساطها، أو .. أو.. 
و بالتأكيد هو لن يقول أريد من الدولة أن تمطرنا بمطر خير.. فحتى الأطفال يعرفون واجبات الدولة نحوهم، و يميزون بين مقدور الله و بين ما يمكن للدولة أن تفعله لهم وجوبا عليها و ليس تفضلا عليهم ..، قال تعالى : ( و جعلنا من الماء كل شيء حي )، فمن مُنع الماء مُنع من حقه في الحياة ..
فماء السدود ليس حكرا على كبار الفلاحين بالغرب، أو على أهل المدن دون أهل القرى، بل هو ثروة مشتركة بين أهل البلد، و لا تعطى لبعض و تُمنع من بعض، أو تُتخذ وسيلة لابتزاز أموال الفقراء و استفزاز البعض  ..

Breaking News