تكلفة الجهل باهظة بينما ثمن المعرفة أقل بكثير.
هذه القولة تجد بعض ملامحها في الواقع “بحفرة” الليدو، تلك الحفرة التي توجد محاذية لأحد الأنهار التي تفصل حي الأطلس عن حي الليدو.
ليس في مدينة فاس أو خارجها شخص سواء كان تلميذا او طالبا باحثا أستاذا أو طبيبا محاميا أو مهندسا أو… إلا و يعرف قيمة حفرة الليدو، بإعتبارها أكثر الأماكن على الصعيد الجهوي إن لم نجازف و نقول الوطني، التي قد تجد فيها أي كتاب من مختلف الحقول العلمية و المعرفية و الثقافية، و حتى إن لم يتوفر فكرم العاملين بها وحسن تعاملهم يدفعهم للقول “رجع من دابا سيمانة غتلقا الكتاب موجود”، و بالفعل فعند عودتك إلى من قدم الوعد، تجد الكتاب جاهزا إما في نسخة أصلية أو مطبوعة، وعودهم تتحقق رغم بساطة إمكانياتهم و ضعفها،عكس و عود الحملات الإنتخابية.
بين رفوف محلات المكتبة تجد كنوز معرفية ليت أجيال “كبي أتاي” تعرف قيمتها، رائحة الكتب فيها تشعرك برغبة جامحة في إقتناء كتاب حتى و إن لم تكن مخططا لذلك،أصحاب تلك المحلات أناس بسطاء مصدر رزقهم الوحيد و الأوحد هو بيع الكتب لمن لا زالو يأمنون بأن المعرفة أطول عمرا من الجهل حتى و إن إشتدت سطوته و أغرق وسائل التواصل الإجتماعي من رأسها حتى أخمص قدميها.
تلك الرفوف و المحلات “القزديرية”، التي تآكلت بفعل الصدأ و عوامل التعرية و الأمطار و غيرها من عوامل الطبيعة، لم تغير من القيمة المعرفية و التاريخية لهذا المكان، بل زادته بأسا و سطوة،ليؤكد أن عمر المعرفة أطول من الجهل.
و قد عاينت الحقيقة 24 زوال أمس الأحد 3 مارس، وضع حفرة الليدو في ظل التساقطات المطرية التي عرفتها مدينة فاس،حيث المياه تجري بين محلاتها و كأنها أنهار، أمطار تخترق الأسقف لتدمر كتب في غفلة من صاحب المحل أو في يقظة منه لكن دون أن يجد حلا أمام الطبيعة سوى أن يلعن المسؤول عن هذا الوضع في سره أو في علنه إن كان عصبي المزاج.
حفرة الليدو لو وجدت ضميرا حيا مسؤولا شغوفا بالحاضرة الإدريسية و بتراثها،لتم تصنيفها ضمن التراث العالمي، لكن للأسف الشديد رهانات منتخبينا أصغر من ذلك.
يدفعنا هذا الوضع الذي لم يتغير في حفرة الليدو إلى طرح تساؤلات عديدة ، ألا تستحق حفرة الليدو أن تكون نقطة للنقاش في برامج التنمية التي تهم المدينة؟
كم سيكلف ورش إصلاح هذه المعلمة التاريخية؟
كم سيكلف ترميم الأسقف التي طالها الصدأ؟
كم سيكلف تجهيز هذه المعلمة بالماء و الكهرباء؟
في كل الأحوال لن تكون التكلفة أغلى من تكلفة الجهل فهو مكلف أكثر.