رغم ما تزخر به مدينة فاس من مؤهلات تاريخية وسياحية وثقافية تجعلها جوهرة المدن المغربية، تعيش العاصمة العلمية اليوم حالة ركود خانقة على جل المستويات، وسط صمت رهيب وغياب لرؤية استراتيجية واضحة المعالم تُخرجها من وضع اقتصادي واجتماعي مقلق.
هذا و تمرّ السياحة الفاسية بفترة فتور غير مسبوقة، حيث فنادق مصنفة شبه خالية، وحدات إيواء تعاني، والفاعلون السياحيون يشتكون من تراجع كبير في نسب الإيواء ، مقارنة بمدن أخرى كمراكش وأكادير و طنجة و الدار البيضاء .
ورغم محاولات متفرقة للترويج، إلا أن الحاضرة الإدريسية تبدو مغيبة عن خريطة الترويج السياحي الرسمي،و لا تحضر في الحملات الإعلامية الكبرى، ولا تستفيد من الدينامية التي تشهدها باقي الوجهات.
فالأسواق والمراكز التجارية بفاس تشهد حالة جمود واضحة. تجار كثر يشتكون من ضعف الإقبال وتراجع القدرة الشرائية، في ظل غياب مبادرات حقيقية لتنشيط الدورة الاقتصادية.
و في الصدد ، أكدت فعاليات مهنية للحقيقة24 أن الركود تجاوز الجانب الظرفي المرتبط بالأزمة العالمية، وأصبح بنيويًا ناتجًا عن غياب حكامة اقتصادية محلية ناجعة، وتأخر إصلاح البنية التحتية التجارية، وكثرة الضرائب والرسوم المحلية دون مردودية ملموسة.
و رغم ما يروج حول مشاريع تنموية و اقتصادية بالمدينة، إلا أن العديد منها يسير بوتيرة بطيئة أو يعرف اختلالات تقنية متكررة، ما يعمّق الإحساس بالإحباط في صفوف الساكنة ، من إصلاح الأرصفة، إلى مشاريع النقل الحضري، إلى الفضاءات العامة…و النتيجة واحدة: أشغال بطيئة، تنفيذ مرتجل، وأثر ضعيف على الحياة اليومية للمواطن.
الخلل لا يتعلق فقط بإكراهات ظرفية، بل يُعزى أساسًا إلى غياب تنسيق حقيقي بين الفاعلين المحليين من الجماعة الحضرية ، ومجلس جهة فاس مكناس و كذلك ولاية الجهة ، كما ان ضعف الرؤية الاستراتيجية لدى المجلس الجماعي وغياب استباق للأزمات ، و إدارة ضعيفة للفرص الاستثمارية وتهميش واضح لمؤهلات المدينة ، ووُعود انتخابية بلا أثر، وصراع سياسي يطغى على منطق التنمية.
لا يمكن لمدينة بتاريخ فاس أن تُترك لهذا المصير المجهول اليوم، المطلوب إرادة سياسية حقيقية، وإقلاع اقتصادي وسياحي مدروس، يشرك الجامعة، المجتمع المدني، والقطاع الخاص في تصور تشاركي حقيقي.
ففاس لم تمت، لكنها في حاجة لمن يعيد إليها الحياة، لا عبر الصور والشعارات، بل عبر مشاريع تُنجز، سياحة تُفعّل، وتدبير يُحسن الإصغاء للساكنة.