شهد الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش تفاعلاً واسعاً في المغرب وخارجه، لاسيما في الجزائر، حيث لقيت دعوته إلى طي صفحة الخلافات وبناء علاقات ثنائية سليمة بين البلدين صدىً إيجابياً في أوساط واسعة من الرأي العام الجزائري.
عدد كبير من المواطنين الجزائريين، عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، استقبلوا هذه الدعوة بترحاب، معبّرين عن تطلعهم إلى تجاوز إرث العداء السياسي، والتأسيس لعهد جديد من التعاون والاحترام المتبادل بين الشعبين الشقيقين.
ورغم هذا التفاعل الشعبي الإيجابي، إلا أن غياب موقف رسمي واضح من السلطات الجزائرية، أو حتى تعليقات من النخب المؤثرة داخل البلاد، يثير التساؤلات حول جدية النظام الجزائري في التفاعل مع هذه المبادرة الملكية، التي تشكل فرصة تاريخية لتجاوز عقود من القطيعة والتوتر.
الأدهى أن هذا الصمت، الذي يتكرر مع كل بادرة حسن نية من الجانب المغربي، يترافق مع تجاهل مستمر لجذر الأزمة بين البلدين، والمتمثل في الدعم المعلن الذي يقدمه النظام الجزائري لجبهة “البوليساريو”، وهي حركة انفصالية مسلحة تسببت في مآسي إنسانية وخسائر بشرية للمغرب، وتستمر في تهديد استقرار المنطقة المغاربية ككل.
طوال نصف قرن، تمسّك النظام الجزائري بهذا الخيار، رغم التحولات الجيوسياسية العميقة، والانتصارات الدبلوماسية المتتالية التي حققتها الرباط، بدعم متزايد من دول مؤثرة في القرار الدولي. هذا الإصرار على معاكسة مصالح المغرب الإقليمية، جعل من قضية الصحراء أداة ابتزاز سياسي أكثر منها قضية مبدئية، وهو ما لم يعد يخدم لا مصالح الجزائر ولا تطلعات شعبها.
في ظل هذا الواقع، تأتي دعوة جلالة الملك لتشكّل منعطفاً حاسماً، ليس فقط في مسار العلاقات الثنائية، وإنما في مستقبل المنطقة ككل، لما تحمله من رغبة صادقة في المصالحة والاندماج المغاربي. غير أن استمرار التجاهل الجزائري لهذه الدعوة، والسكوت المتعمد عن جوهر الأزمة، يُفقد الأصوات الجزائرية الداعية إلى التقارب مصداقيتها، ما لم تقرن خطابها الراغب في المصالحة بنقد حقيقي لممارسات النظام في هذا الملف.
وفي الوقت الذي تمضي فيه المملكة بثقة نحو إغلاق هذا النزاع المفتعل داخل أروقة الشرعية الدولية، قد يجد النظام الجزائري نفسه معزولاً، في لحظة لن يكون فيها الصمت خياراً ممكناً، وقد تكون كلفته السياسية والاقتصادية أكبر مما يحتمل.