في مشهد مؤثر، حضر ناصر الزفزافي جنازة والده دون أي قيود أمنية مشددة، وهو ما لفت أنظار المعزين الذين غص بهم حي وبيت العائلة، حيث توجه الزفزافي إلى الحشود بكلمات مؤثرة قائلا: “بفضل الله ثم بفضل مندوب السجون الذي قام بعمل جبار أنا هنا في جنازة أبي.. نحن كلنا أبناء الوطن بصحرائه وشماله وجنوبه وشرقه وغربه لمصلحة هذا الوطن أولا وأخيرا”، وهي كلمات اختزلت الكثير من الدلالات، وأبرزت أبعادا إنسانية عميقة في ملف ظل لسنوات أسير التوتر والاصطفافات.
ولم تكن الخطوة التي سمحت بوجود الزفزافي بين عائلته ومعارفه، دون حواجز أمنية واضحة، لتحدث لولا الثقة المتبادلة التي بنيت على مدى سنوات بينه وبين محيطه، بدءا من المندوبية العامة لإدارة السجون إلى عناصر الدرك الملكي والأمن المرافق، وهي الثقة التي لا تخضع اعتبارات سياسية أو أمنية بقدر ما تنطلق من بعدها الإنساني، وهو ما يجعلها مدخلا حقيقيا للتفكير في طي صفحة أسالت الكثير من المداد حول هذا الملف.
ويعكس المشهد برمته حجم الجهود التي قامت بها مختلف الأطراف المعنية، والتي توجت بهذا الموقف الاستثنائي الذي بدا وكأنه رسالة صامتة مفادها أن الملف يسير نحو مخرجات أكثر هدوءا وتوازنا، حيث ينظر إلى هذه الثقة كعامل حاسم قد يكون مفتاحا لعفو ملكي كريم يعيد رسم الأمل لدى أسر المعتقلين وذويهم.
ورغم أن اللحظة كانت محاطة بألم الفقد ومرارة الغياب، إلا أن الزفزافي ظهر أكثر نضجا، في إشارة إلى وعي متقدم بضرورة تغليب المصلحة الوطنية على كل اعتبار، حيث لا يقتصر هذا النضج عليه وحده فقط، بل يمتد ليشمل باقي المعتقلين الذين يترقبون فرصة مماثلة للانخراط في مسار جديد عنوانه المصالحة والعفو والانتصار للقيم الإنسانية الجامعة.