تحولت مدينة فاس، العاصمة العلمية والروحية للمملكة، إلى نموذج صارخ للتناقضات بين تاريخ عريق يختزل قروناً من الحضارة، وواقع يومي يعيشه السكان والمستثمرون مليء بالإشكالات الاقتصادية والاجتماعية.
فعلى الرغم من المجهودات المبذولة أمنياً وقضائياً لضبط النظام ومواجهة مظاهر الفوضى، يظل السؤال الأعمق مطروحاً: أين هي باقي المؤسسات والفاعلين المفترض أن يكونوا في صلب التنمية المحلية؟
فعلى سبيل المثال لا الحصر ، المجلس الجهوي للاستثمار، الذي يفترض أن يكون بوابة لتشجيع المستثمرين ومواكبة مشاريعهم، لا يكاد يظهر له أثر في الميدان. في الوقت الذي يبحث فيه المستثمرون عن الحماية والوضوح القانوني، يجدون أنفسهم أمام مساطر معقدة وضعف في المواكبة، مما يدفع الكثيرين إلى تحويل وجهتهم نحو مدن أخرى أكثر جاذبية.
ان فاس المدينة المصنفة ضمن التراث العالمي للإنسانية، كان يفترض أن تكون عاصمة سياحية بكل المقاييس. غير أن المجلس الجهوي للسياحة يبدو غائباً عن لعب دوره الحقيقي في التسويق للمدينة ومواجهة أعطاب البنية التحتية والخدمات، كيف لوجهة سياحية بهذا الحجم أن تعيش على وقع غياب رؤية واضحة وحضور محتشم في المحافل الوطنية والدولية؟
و كذلك المجالس المنتخبة، التي نالت ثقة المواطنين، مطالبة اليوم بأن تجيب على أسئلة التنمية والعدالة المجالية ، غير أن ما يطفو على السطح هو مشهد سياسي محلي يغلب عليه الصراع الحزبي الضيق و التحالفات الهشة بدل الانكباب على ملفات ، النظافة، البنيات التحتية، والمساحات الخضراء .
و في الصدد يبقى السؤال الجوهري: هل يُعقل أن تبقى مدينة بحجم وإشعاع فاس معتمدة فقط على يقظة الأجهزة الأمنية والقضائية لمعالجة الإشكالات، بينما مؤسسات الاستثمار، السياحة، والتنمية المحلية تتوارى إلى الخلف؟
إن إنقاذ فاس من حالة الجمود يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وتنسيقاً فعالاً بين كل المتدخلين. فمدينة العلماء والذاكرة الروحية تستحق أن تستعيد مكانتها كقاطرة تنموية وثقافية، لا أن تبقى حبيسة أعطاب التدبير وغياب الرؤية.