كشف تقرير حديث للمفتشية العامة للإدارة الترابية عن فضائح مدوية تتعلق بتمرير صفقات جماعية “مستنسخة” في عدة جماعات ترابية بالمغرب، العمليات الرقابية أظهرت تكرار أشغال إصلاح وترميم طرق ومرافق عامة سبق إنجازها سابقا، فضلا عن تجهيز محاور طرقية بالإنارة والإشارات، وتزويد مصالح جماعية بوسائل مكتبية، كلها وفق شروط مشابهة لتلك السابقة، ما أثار استنفار وزارة الداخلية.
وأصدرت الوزارة توجيهات صارمة للولاة والعمال بعدم التصديق على أي صفقة مشبوهة في دورات أكتوبر، مع إلزام رؤساء الجماعات المتضررة بتقديم توضيحات حول الاختلالات، تمهيدا لإحالة الملفات التي يثبت تورط منتخبين أو مسؤولين فيها على محاكم جرائم الأموال.
كما أظهرت التحقيقات تجاوزات مالية كبيرة، خاصة بعد رفع سقف سندات الطلب من 200 ألف إلى 500 ألف درهم، مما شجع بعض الجماعات على اللجوء المتكرر لنفس المقاولين دون منافسة حقيقية، مع غياب وثائق قانونية أساسية وتقديرات غير دقيقة للكلفة الحقيقية للأشغال، ما دفع شركات أخرى للانسحاب أو البحث عن شركاء لإتمام المشاريع.
وأبرزت التفتيشات حالات تجزئة المشاريع الكبرى إلى أشغال صغيرة لتجنب المساطر القانونية للصفقات الكبرى، ما سمح بتمرير عقود متكررة لمقاولين معينين بأسعار تقل عن الكلفة الفعلية، في ظل شبهة تفاهمات داخلية ومصالح مشتركة بين منتخبين ومقاولين. كما رصدت اللجان إصلاح طرق ومرافق سبق تدبيرها، دون وجود مبرر تقني لتكرار الإنفاق، ما يطرح تساؤلات حول توجيه الأموال العمومية.
هذه الفضيحة تتزامن مع ملفات أخرى سبق أن أثارت الرأي العام، مثل صفقات “كوب 22” بمراكش وصفقات تفويت أراضٍ تابعة للدولة، ما يعكس هشاشة منظومة تدبير الشأن المحلي وتحول بعض المجالس المنتخبة إلى فضاء لاستغلال المال العام.
في مواجهة هذا الواقع، شددت وزارة الداخلية على تعزيز الرقابة والمفتشية العامة، مع التلويح بعزل المنتخبين المتورطين، بينما يدعو خبراء الحكامة إلى مراجعة شاملة للمرسوم المنظم للصفقات العمومية، وإغلاق الثغرات التي تسمح بسندات الطلب للتهرب من المنافسة، وتعزيز آليات المشاركة المواطنة في مراقبة المال العام، لضمان توجيه الموارد نحو تنمية الخدمات والبنية التحتية لفائدة المواطنين.
