في الوقت الذي تتواصل فيه الحملات الأمنية لإغلاق مقاهي الشيشا في مختلف المدن المغربية، عاد الجدل مجددًا إلى الواجهة حول مستقبل هذا النشاط الذي ظل يعيش لسنوات بين المنع والممارسة الميدانية، دون وجود إطار قانوني واضح ينظمه.
مصادر متطابقة تحدثت للحقيقة24 عن أن الحكومة تدرس إمكانية وضع تصور جديد لتقنين نشاط تدخين الشيشا داخل المقاهي والفنادق السياحية، وفق ضوابط صارمة ومعايير محددة للتهوية والمساحة والترخيص، وذلك في أفق سنة 2026.
رغم أن السلطات المحلية في عدد من المدن الكبرى، كفاس والدار البيضاء ومراكش و طنجة ، تشن منذ شهور حملات مكثفة لإغلاق مقاهي الشيشا، إلا أن هذه المقاهي سرعان ما تعود إلى العمل نظرا لتشغيلها عدد مهم من اليد العاملة .
إن هذا التناقض بين المنع القانوني والممارسة الفعلية خلق ضغطًا متزايدًا على الحكومة، خاصة من طرف مهنيي القطاع السياحي الذين يرون أن المنع المطلق يضر بجاذبية المدن السياحية ويؤثر على مداخيل العديد من المقاهي والفنادق التي تستقبل زبائن أجانب معتادين على استهلاك الشيشا في فضاءات مغلقة ومنظمة في بلدانهم .
في يناير الماضي، وجهت النائبة البرلمانية عزيزة بوجريدة سؤالًا كتابيًا إلى وزير الداخلية حول واقع حظر الشيشا وتأثيره على السياحة بمدينة مراكش، مشددة على ضرورة “الانتقال من منطق المنع إلى منطق التقنين والمراقبة”.
هذا السؤال البرلماني فتح الباب أمام نقاش سياسي حول إمكانية تقنين النشاط بدل تركه في المنطقة الرمادية بين الشرعية والمخالفة، خصوصًا وأن بعض المدن السياحية تُعتبر وجهة عالمية تستقطب آلاف الزوار يوميًا.
وحسب المعطيات المتوفرة، فإن المقاربة الحكومية إن تم تبنيها، ستسعى إلى تقنين نشاط الشيشا ضمن إطار قانوني مضبوط، يفرض على أصحاب المقاهي الحصول على تراخيص خاصة، مع احترام شروط التهوية، والمسافة بين الطاولات، ومنع دخول القاصرين، إلى جانب تحديد أنواع المواد المستعملة وتوضيح مصدرها.
كما يُرتقب أن تُناط مراقبة هذه الفضاءات بالمصالح الصحية والأمنية والجماعات المحلية، لضمان سلامة المستهلكين ومنع أي تجاوزات أو أنشطة موازية غير قانونية.
لكن تقنين الشيشا يظل ملفًا حساسًا يثير جدلًا مجتمعيًا واسعًا، خاصة لدى جمعيات الصحة ومكونات من المجتمع المدني التي تعتبر أن أي خطوة نحو التقنين قد تُفهم كتشجيع غير مباشر على التدخين وسط الشباب.
في المقابل، يرى المدافعون عن الفكرة أن التقنين لا يعني التشجيع، بل تنظيم نشاط قائم بالفعل، مما سيسمح للدولة بفرض مراقبة صحية وجبائية عليه بدل تركه في الفوضى الحالية.
إلى حدود الساعة، لم تُعلن الحكومة رسميًا عن أي مشروع قانون أو مرسوم خاص بتقنين الشيشا، غير أن تكرار طرح الملف داخل البرلمان، إلى جانب الأصوات القادمة من القطاع السياحي، يوحي بأن الملف بات مطروحًا بجدية على طاولة النقاش الحكومي، وقد يكون من بين الإصلاحات المنتظرة في سنة 2026.
ويبقى السؤال المطروح:
هل سيختار المغرب إدماج الشيشا ضمن الأنشطة المنظمة قانونيًا كما هو الحال في بعض الدول، أم سيُبقيها ضمن دائرة المنع الرمزي الذي لا يطبق إلا جزئيًا على أرض الواقع؟