تعيش فاس المدينة، المصنفة تراثاً إنسانياً عالمياً من طرف منظمة اليونسكو، على وقع تحولات مقلقة تمسّ عمق هويتها التاريخية والعمرانية، في ظل صمت جماعي مريب وغياب واضح للمجلس الجماعي الحالي بفاس المدينة عن أداء دوره في حماية الموروث الحضاري للمدينة.
ففي الوقت الذي كان من المنتظر أن تنعم المدينة العتيقة ببرامج ترميم وصيانة تحفظ طابعها التقليدي وتعيد إليها ألقها التاريخي، رصدت “الحقيقة24” مظاهر بناء عشوائي متزايد وتحويرات تُغيّر معالم الأحياء والأسواق القديمة في غياب شبه تام للسلطة المحلية . فقد أصبحت واجهات عدد من المحلات التجارية والمقاهي تُزيَّن بتصاميم عصرية غريبة عن الطابع الفاسي الأصيل، في مشهد يختزل حجم الفوضى التي تعرفها المنطقة عمرانيا .
الأخطر من ذلك – حسب ما وقف عليه طاقم الجريدة ميدانياً – هو الترامي المتزايد على الملك العمومي، سواء عبر نصب طاولات المقاهي وسط الأزقة الضيقة أو احتلال الأرصفة والفضاءات التاريخية، مما يُعرقل حركة الزوار والسكان ويُفقد المدينة سحرها الأصيل الذي ميّزها على مرّ العصور.
ورغم تعدد الشكايات والملاحظات التي يرفعها المهتمون بالشأن المحلي وساكنة المدينة، فإن المجلس الجماعي بفاس المدينة و السلطات المحلبة تبدو غائبة عن المشهد تماماً، تاركين المدينة العتيقة تتخبط في فوضى عمرانية وبيئية خانقة، دون اتخاذ إجراءات زجرية أو حتى ميدانية للحد من هذه التجاوزات.
وتساءل عدد من الفاعلين الجمعويين والمهنيين في تصريحات لـ”الحقيقة24″ عن دور السلطات المحلية في فرض احترام قوانين التعمير والمحافظة على الطابع التراثي، معتبرين أن ما يجري اليوم يُعدّ مسّاً بهيبة الدولة وخرقاً سافراً لقوانين حماية المعالم التاريخية.
المدينة التي كانت يوماً مهوى أفئدة الزوار والسياح، صارت اليوم تواجه خطر التحول إلى فضاء بلا هوية، تُغيب فيه القيم الجمالية والمعمارية الأصيلة أمام موجة من العشوائية والتهميش.
وستواصل جريدة الحقيقة24، في سلسلة من المقالات القادمة، كشف خبايا هذا الملف عبر تحقيقات ميدانية معمّقة وشهادات حصرية من ساكنة المدينة ومهنيين في المجال، بهدف إماطة اللثام عن مظاهر الإهمال العمراني والإداري التي تهدد قلب فاس التاريخي.
يتبع . . .
