عبد المنعم الكزان يكتب :المنظومة الانتخابية وتشابك الأدوار قراءة في أزمة وضوح المسؤولية بين البرلمان والجماعات.

الحقيقة 24منذ ساعة واحدة
عبد المنعم الكزان يكتب :المنظومة الانتخابية وتشابك الأدوار قراءة في أزمة وضوح المسؤولية بين البرلمان والجماعات.

أعلن السيد وزير الداخلية المحترم الأربعاء الماضي عن كون التعديلات المرتبطة بالقانون التنظيمي رقم 27.11 بخصوص مجلس النواب، ستشمل إلغاء منع الجمع بين صفة نائب برلماني وبين رئيس عمالة أو إقليم أو مجلس جماعة كبرى ، حيث أفاد بأن الأمر  يرتبط بالاستفادة من الخبرات والكفاءات ذات القيمة المضافة.
إن السجال  حول الجمع بين الإنتدابات في المغرب يعكس  وجود  مأزق  بنيوي عميق يمتد لعقود طويلة في  النموذج   السياسي المغربي .
فهل الأمر يرتبط  بسوء فهم  النخبة السياسية لوظيفة السلطة نفسها… ففي  الوقت التي تعرف  السلطة بوصفها وظيفة محددة بحدود وآليات وضوابط محددة ،تتعاطى معها  النخبة المغربية باعتبارها فضاء مفتوحا ، حيث يرتبط نجاح الفاعل السياسي ليس بخدمته الوطن والمواطنين بل  بمدى قدرته على التوسع  في الفضاء الحيوي للسلطة نفسها مما يحولها من مجال للخدمة عمومية والسهر على مصالح المواطنين  إلى مجال  لمراكمة السلطة ومن خلالها مراكمة الرأسمال الرمزي ، فنجاح  الفاعل كما أسلفنا لا يرتبط بالصالح العام  و الاشتغال الدؤوب من خلال موقع واحد، بل يرتبط بمدى  قدرته على احتكار المسؤوليات والتموقع  في  عدد كبير من مراكز  القرار، وكأننا تعود إلى ما قبل-الدولة ، بحيث ترتبط  الحظوة والمكانة الاجتماعية والسياسية بعدد المناصب التي يتواجد فيها الفاعل لا بمدى تخصصه.
إننا نعيش اليوم كما في العقود السابقة على وقع  منطق التموقع بدل منطق الفعل السياسي، وبالتالى فالفاعل السياسي يظل مهووسا بتحسين مكانته  داخل النسق أكثر من انشغاله بهموم وقضايا المواطنين حيث أن  تعدد المواقع معناه بشكل مباشر أن الفاعل هنا “يصبح حاضرا  في كل مكان ولكن مع الأسف لا يمكن أن يكون فعالا  في أي مكان كذلك” .
فالفاعل السياسي تتحول مهنته إلى مقاول للنفوذ، إذ أن تعدد المواقع أصبح  وسيلة يستغلها احسن استغلال لزيادة موارد التفاوض لنفسه  وليس وسيلة لخدمة المواطنين فهو يرى الدولة فقط كبنية  تفاوضية على مصالحه الخاصة من خلال تصريف الرساميل الرمزية التي يتوفر عليها من خلال الجمع بين المناصب في حقول أخرى بالشكل الذي يسمح مجددا بتوسيع مجال سلطته الحيوية ومراكمة رساميل أخرى ليتم إضافتها  إلى حقول الهيمنة الأولى  التي انطلق  منها .
كما أن  الجمع بين الإنتدابات يضرب في العمق التخصص العقلاني  التي تقوم عليها الدولة الحديثة والتي لا تتأسس  على تعدد وظائف  الشخص الواحد لكنها تتأسس  على وضوح الوظائف داخل المؤسسات ، “فالفعالية السياسية  لا ينتجها القائد متعدد المهام لكن ينتجها  الشخص الذي يعرف حدوده ويملك القدرة على التركيز والإنضباط في مجاله الاستراتيجي.

فالمنتخب يدخل في مكونات شبكتين (تشريعية وتنفيذية حتى وإن كانت محلية ) دون أي  فصل بينهما، فإنه يربك  فكرة الديمقراطية الحديثة ونظام فصل السلط من خلال إرباك هندسة وفكرة  الديمقراطية التمثيلية التي تصنع شرعية الدولة، فالديمقراطية التمثيلية ليست هي فقط تمثيل الناس، بل أيضا  تمثيل ذلك الموقع الإنتخابي  الذي ينتمي إليه الفاعل السياسي. وعليه فإن  تتعدد المواقع  يتشوش ويربك فكرة  الديمقراطية التمثيلية في منطلقاتها، بحيث يتحول جوهر النظام  التمثيلي من فلسفة للحكامة الجيدة  إلى آلية تحول  المؤسسات إلى واجهات لشرعية هيمنة  الأقوياء و أصحاب الوفود والأعيان ، لأنه باختصار يعمل أيضا كبح منطق التوزيع الذي  يحمي الدولة والمجتمع  من الاستقواء  السياسي للأفراد، فتجميع أدوات  السلطة يجعلنا نتحول من سلطة  المؤسسات إلى الأفراد ، وهو ضد الديمقراطية وضرب في عمق الدولة الإجتماعية.
ثم بأي مسمى يمكن أن نسمي  المنتخب ،فهل  هو ذلك النائب برلماني  يشرع القوانين ؟ أم رئيس جماعة ينفذ القوانين كجزء لا يتجزأ من منظومة  السلطة التنفيذية؟ في تضارب واضح المصالح بين مؤسستين.
فخلط  الهوية الوظيفية للمنتخب  يؤدي إلى إضعاف  المبادرات السياسية، نتيجة وجود منتخبين يشتغلون  بمنطق المبادرة اللحظية  بدل التخطيط الإستراتيجي على المستوى المحلي، كما إن السياسي الذي يتواجد داخل مؤسساتيتين مختلفتين يساهم في تحويلها  بنية مشوهة ومزدوجة ، ليصبح بذلك كل مركز انتدابي ، وسيلة  يبرر من خلالها  ضعف اشتغاله في  المؤسسة الأخرى، كما يصبح المواطن ضحية  فعل سياسي بتأرجح بين بنيتين مختلفتين كل بنية يتم استغلالها  لتبرير هفوات العمل البنية  الأخرى.
لكن الخطر الكبير في تعدد الانتخابات والمهام  “احتكار فرص القوة و السلطة ، لتصبح بذلك النخب التي تدخل في تركيبة  مواقع متعددة، هي من تصنع وتحدد قوانين ومجال اللعب في الفضاء  السياسي،  وبالتالى بذلك اغلاق الحقل السياسي أمام نخب جديدة، وبقاء نفس الطبقة السياسية  منغلقة على  مصالحها المشتركة، رغم تعدد التلوينات الحزبية كما يتم احتكار الثروة من خلال احتكار السلطة، بالتالي يتم الاستمرار في تقويض  أسس الدولة الإجتماعية.
ليعود نفس السؤال القديم الجديد كيف يمكن بناء دولة حديثة بمجتمع سياسي قديم   لا يسمح ببزوغ نجم  نخب جديدة ؟
أن غياب التجديد يؤدي أيضا  إلى تصلب شريان  البنيات السياسية، مما  يؤدي إلى الزيادة في إضعاف منسوب الثقة وهو الأمر الذي يودي طبعا  تراجع الشرعية ، وهذا معناه التمادي في  إضعاف  الدولة بدل تقويتها.
وهذا لعمري أكبر  خطر ينتج احتكار  الانتدابات باسم الديمقراطية.

الاخبار العاجلة