رغم أن الموت وحده يأتي “دقة وحدة”، إلا أن توالي الغزوات الجنسية في صفوف بعض أعضاء العدالة والتنمية، يدل على أن الفضيحة أيضا يمكن أن تأتي تباعا، فما إن انفجرت العلاقة بين الوزير لحبيب الشوباني ومديرة ديوانه سمية بن خلدون، التي ستصبح بدورها وزيرة وزوجة، وهو ما أدى إلى تقديمهما استقالتهما من الحكومة كقربان لعلاقتهما الحميمية، حتى جاءت قضية باحماد وفاطمة النجار بعد ضبطهما في سيارة مرسيديس بالقرب من شاطئ المحمدية والمساعدة على القذف بعد دروس الإرشاد للواعظ والواعظة… لتنفجر مؤخرا قضية “عودة الشيخ إلى صباه، في القوة على الباه”، مع الوزير محمد يتيم ومدلكته التي تصغره بعدد سنين جيل بكامله، والتي جرت عليه سخطا كبيرا داخل وسائط التواصل الاجتماعي وفي الحكومة وداخل حزب العدالة والتنمية.
الحب ليس عيبا، وهو يدخل ضمن الحميميات الإنسانية وفي باب الخصوصية، لكن تكرار نازلة عشق شيوخ إسلاميي العدالة والتنمية ورديفها الدعوي حركة التوحيد والإصلاح تحول إلى ظاهرة ملفتة للانتباه، لو كان الأمر يتعلق بأي شخص عادي في المجتمع، لقلنا لا يجوز النبش في مجال خصوصيات الإنسان، لكن الأمر يتعلق بشخصيات عمومية، فما قام به محمد يتيم ومدلكته سارة، لم يعد يدخل في باب الحياة الخاصة التي من حق أي إنسان حمايتها والدفاع عن عدم كشفها للجمهور، فالرجل وزير وقيادي في حزب وازن وأجرته من ضرائب المواطنين، لذلك فمن حقنا أن نعرف، وكما قال صديقه في الحزب، فالشخصية العمومية لاخصوصية لها، لأنها لا تستأذننا حين تريد أن تدخل بيوتنا الحميمية وتفرض نفسها علينا من خلال التلفزيون والراديو وباقي وسائل الإعلام.. لما تكررت نوازل العشق والغرام في سن متأخرة وتغيير الزوجات مثل تغيير الجوارب، حتى أصبح هؤلاء في نعيم الوزارة وبحبوحة العيش فارتأوا تغيير منازلهم وسياراتهم وبذلاتهم ومعها النساء اللواتي ساندنهن زمن التقشف والفاقة؟
لمَ لم يحدث ذات الأمر مع وزراء وقياديين يساريين غيروا زوجاتهم أو صاحبوا فتيات في عمر الزهور، ببساطة لأن هؤلاء كانوا واضحين منذ البدء، لم يقدموا أنفسهم في زي الملائكة المتقشفين والمتعففين عن الدنيا، لأن الآخرة خير من الأولى، ناضلوا ودفع العديد منهم شبابهم وحريتهم في ظلمات السجون وقدموا الشيء الكثير للمجتمع المغربي، وإن لم يصبح آخر عمرهم مثل صدق أوله، ولكنهم في الباب المرتبط بالحرية والحياة، لم يكونوا منافقين، من كان منهم يعاقر الخمر، أو يزهو بأيام عمره، فعل ذلك علنا واحترم المغاربة خصوصيات حياتهم، وظل بعضهم ولا زال مثل أيقونات جميلة في أعيننا..
لكن الأمر مختلف مع إخوان العدالة والتنمية، ليس فقط لأنهم جاؤوا في زمن الكاميرات شاعلة، وكل مواطن هو موقع إلكتروني صحافي متحرك بشاشته الذكية، ولوحاته المتطورة، يقتنص الخبر وينتجه ويستهلكه وهو طري “دمّو على خدو”، ولكن لأن كل واحد ممن انفجرت علاقاته السرية، وقدم نفسه مثالا للتعفف والطهر والتسامي والعلو عن الصغائر حتى حسبهم الناس شبه ملائكة وأنبياء عصرهم وأولياء صالحين بلا مذمة ولا نقصان، فقد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لكل واحد منهم وهم يقدمون النصح في المساجد، ويطالبون الناس بغض البصر وعدم معاشرة المرأة بلا “كاغيط”، والصوم دفعا للشهوة الجنسية، وزمن الخطة الوطنية لإدماج المرأة اتهموا الحداثيين بكونهم يريدون تشييء المرأة ودفعها للتبرج، وكالوا لهم الشتائم حول انحرافهم وعدم صيانتهم لفروج النساء وحرمة القيم المغربية، وحشدوا مسيرة مليونية لإسقاط خطة حداثية لإدماج المرأة، وشوهوا سيرة المدافعين عنها بالباطل أحيانا كثيرة، وها هي أوراق التوت سقطت عنهم الواحد تلو الآخر و”هادي غير البداية، مازال ما زال”.
والوزير الذي لم يعد يتيما بعد المدلكة سارة التي أحيت عظامه وهي رميم، نفسه كان ينصحنا بالسفر داخل الذات عبر التدوينة التي كانت محط الجدل، حيث وعظ من خلالها المقبلين على السفر وقضاء العطلة الصيفية بسفر من نوع خاص، وهو “السفر داخل الذات”. فهذا النوع من السفر قد يكون خيرا من سفر إلى مكان آخر نضيع فيه ثمن الكراء والبنزين والنفقات المكلفة.. لكن محمد يتيم سافر إلى فرنسا وزار رفقتها مطاعم ومحلات الموضة بجادة الشانزيليزيه.. هل بعد هذا لا زلتم تعتقدون أن وزير الشغل لا زال يتيما.. صدقوني نحن هم اليتامى الذين يضحك علينا “منافقون” بخطابات التقشف وبيع الدنيا لشراء الآخرين ليفوزوا بحقنا في الدنيا قبل الآخرة.. وآخر دعوانا الله يستر وصافي.
ادريس شحتان