أشياء قليلة تثير اهتمامي. ومواقف نادرة تثير حفيظتي وتجعلني أتكلم، لذلك في غالب الأحيان أدع الآخرين يتكلمون وأكتفي بالإصغاء إليهم، والحقيقة أني حسنة الإصغاء، قليلة الكلام. بالصمت أعبر بهدوء عما أفكر به، ولكن مع الأسف قليل من الناس يفهمون لغتي.
قال تشي غيفارا يوما، “لابد أحيانا من لزوم الصمت ليسمعنا الآخرين .. الصمت فن عظيم من فنون الكلام”.
وأتفق مع جبران خليل جبران حينما قال “وقد يكون في الكلام بعض الراحة، وقد يكون في الصمت بعض الفضيلة”.
وأحببت رومانسية نزار القباني الصامتة حينما قال لمحبوبته “هل تسمعين أشواقي عندما أكون صامتاً؟ إن الصمت يا سيدتي هو أقوى أسلحتي .. هل شعرت بروعة الأشياء التي أقولها عندما لا أقول شيئاً؟”.
قد يكون الصمت في أحيان كثيرة أفضل جواب وأحسن رد فعل. بل أحيانا يكون حلا مريحا وأنجع طريقة لتفادي نقاش لا جدوى منه. وأعتقد جزما أن السكوت ليس في كل الحالات علامة الرضى كما يشاع، ولكن يمكن تأويله بمعان كثيرة. كما أني لا أتفق مع من قال “كوني جميلة واصمتي”. ولا أدري لماذا قال قولته هذه التي لا أجد لها تفسيرا ولا معنى.
قالوا عن الصمت الكثير من الحكم، وألفوا قصصا ونكتا تبين جدوى الصمت بدلا من الكلام، وهذه إحدى القصص الطريفة التي قرأتها أخيرا: يحكى أن ثلاثة أشخاص حكم عليهم بالإعدام بالمقصلة وهم عالم دين، ومحامي، وفيزيائي.
وعند لحظة الإعدام تقدم عالم الدين ووضعوا رأسه تحت المقصلة وسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تود قولها؟ فقال عالم الدين: الله، الله هو من سينقذني، وعند ذلك أنزلوا المقصلة، فنزلت المقصلة وعندما وصلت لرأس عالم الدين توقفت، فتعجب الناس، وقالوا: أطلقوا سراح عالم الدين فقد قال الله كلمته. ونجا عالم الدين.
وجاء دور المحامي إلى المقصلة فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تود قولها؟ فقال: أنا لا أعرف الله كعالم الدين ولكن أعرف أكثر عن العدالة، العدالة، هي من ستنقذني.
ونزلت المقصلة على رأس المحامي، وعندما وصلت لرأسه توقفت، فتعجب الناس، وقالوا: أطلقوا سراح المحامي، فقد قالت العدالة كلمتها. ونجا المحامي.
وأخيرا جاء دور الفيزيائي فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تود قولها؟ فقال: أنا لا أعرف الله كعالم الدين، ولا أعرف العدالة كالمحامي، ولكني أعرف أن هناك عقدة في حبل المقصلة تمنع المقصلة من النزول، فنظروا للمقصلة ووجدوا فعلا عقدة تمنع المقصلة من النزول، فأصلحوا العقدة وانزلوا المقصلة على رأس الفيزيائي وقطع رأسه. فاعتبر بعضهم أنه من الذكاء أن تكون غبياً في بعض المواقف، ومن الأفضل أن تبقي فمك مقفلا حتى وإن كنت تعرف الحقيقة.