تاونات.. ملف “ولد مينة” عاصفة انتهت بهدوء، ام هدوء يسبق العاصفة؟!

الحقيقة 2421 مارس 2023
تاونات.. ملف “ولد مينة” عاصفة انتهت بهدوء، ام هدوء يسبق العاصفة؟!

عادل عزيزي


وقف اثنان، أمام لوحة في معرض رسم، فسأل أحدهما الآخر: إلى مَا تَرمز هذه اللوحة؟ فأجاب: إنها ترمز إلى العاصفة! وكان الرسام على مسافة منهما، ينظر إليهما، فاقترب منهما، وسأله الأوّل: عمّ تعبّر هذه اللوحة؟ فقال، ببساطة: عن الهدوء! فالتفت السائل إلى صاحبه، وقال، مستنكراً: كيف تقول: إنها تعبّر عن العاصفة، وراسمُها يقول: إنها تعبّر عن الهدوء؟ فأجاب صاحبه: ببساطة: إنها تعبّر عن الهدوء، الذي يسبق العاصفة!


نعم يختلف الناس، في قراءة الأحداث الجارية أمامهم، تلك اللوحة ببساطة مدينة تاونات وما عرفته في الأسابيع الماضية من أحداث ووقائع كانت حديث المقاهي و مواقع التواصل الاجتماعي.


هدوء و سكون يسود الرأي العام التاوناتي هذه الأيام بعد أن وصلت في الأسابيع الماضية الى فوهة بركان قريبة من الانفجار بعد مخاض عسير ومواجهات كلامية في الشارع وفي المقاهي، وعلى منصات الواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.


بدأت العاصفة وتوقفت و ليست كأي عاصفة، فنهايتها كما بدايتها تركت المجال واسعاً للمتابعين لتحليل واستنتاج الدوافع و المآلات، برغم النقاشات القوية التي رافقت العاصفة.


العلاقة بين العاصفة والهدوء علاقة معقدة ولا نعرف من الذي يأتي بالآخر .. العاصفة يسبقها الهدوء أو العاصفة يتبعها الهدوء.. وكأنها جدلية الليل والنهار حيث الليل ينسلخ من النهار.. والهدوء ينسلخ عن العاصفة.. فما الذي نعيشه اليوم في تاونات؟؟ أهو الهدوء بعد العاصفة ام الهدوء الذي يسبق عاصفة؟؟ فهناك جمود في قضية الموظف المعتقل في سجن بوركايز على خلفية اتهامه بسرقة محجوزات” ملحق” المحجز البلدي لجماعة تاونات المتواجد بمطرح النفايات؟. 
لكن قبل ذلك اسمحوا لي أن أغوص بكم في بدائع الأدب العربي و مقامات بديع الزمان الهمداني، فعلى مر الزمان كان للصوص قصص و حكايا ما زلنا نتناقلها إلى زماننا هذا، فمثلا كان للصوص بغداد في العصر العباسي ميزه عن غيرهم، وكان من أشهرهم اللص أبو عثمان الخياط وهو القائل: ما سرقت جارا وإن كان عدوا لي ولا سرقت كريما ولا امرأة ولا بيتا ليس فيه رجل ولا قابلت غادرا بغدره.


صدقوني لصوص أيام زمان كان لديهم أخلاق ومروءة، وكان لديهم تراث أخلاقي وحضاري لا يسرقون الجار ولا المرأة ولا يعتدوا على مال الفقير، لا يتسترون بالمنصب أو الدين أو العائلة..، لصوص أيام زمان كان طموحهم وجبة طعام أو شراب، أما لصوص اليوم فلو كان لأحدهم جبل لسرق الجبل المقابل..، لصوص زمان كانت لهم مواسم و أوقات وعطل وتوبات، أما لصوص اليوم فيعملون على مدار الساعة، فلا أخلاق لهم ولا رحمة، ولا حدود لبطشهم وجشعهم، سرقوا آمال الحاضر والمستقبل..، لصوص أيام زمان لم يلبسوا أفضل الثياب ولم يركبوا أجمل السيارات ولم يتزينوا بأغلى العطور، أما لصوص اليوم فحدث ولا حرج ..، لصوص زمان لا منصب لهم ولا غطاء، أما لصوص اليوم فتجدهم في كل مكان وزمان..، لصوص زمان لا يقربون أموال الدولة ولا الفقراء، تخصصوا بسرقة الأغنياء ومانعي الزكاة، أما لصوص اليوم فمجدهم اتسع وارتفع في سرقة خيرات الوطن، وما تصل إليه أيديهم من أموال الفقراء، وبنوا مجد ثروتهم على حساب الشعوب المنكوبة ..، لصوص زمان كانوا يقدمون أنفسهم على أنهم مكافحين للمجرمين الذين لا تحكمهم مبادئ ولا مواثيق شرف.
فكما أن لكل زمان رجاله من العلماء وصناع التاريخ، فإنه يصح القول أيضاً أن لكل زمان لصوصه..، وكما تنعكس طبيعة المجتمعات وأخلاقها على الناس وحركة الحياة في زمانها، فإنها تنعكس أيضاً على لصوص ذلك الزمان.
نعود لقضيتنا فكل طرف ينتظر تدخل الاخر ليحل المشكلة..، فالمواطنون المتعاطفون مع الموظف البسيط الملقب ب”ولد مينة” ينتظرون تدخل المعنيين بالأمر لإطلاق سراحه.. والمعنيون يراهنون على إبقاء ولد مينة ضحية حتى لا تفتح ملفات أخرى مركونة في الظل..، ويبدو أن لا شيء سيحرك الجمود إلا عاصفة..، ولكن من سيطلق العنان لها..؟!
توحي التفاعلات الجارية حالياً على الرأي العام التاوناتي بمشاعر متباينة فبينما بعض هذه التفاعلات توحي باتجاه طي هذا الملف، والبحث عن سبل لاحتوائه و تسويته، اما البعض الآخر فيتجه نحو إظهار مزيد من الأسرار المخفية، والعمل على تفكيك طلاسمها، فلا أحد يتوقع حدوث تحوّل درامي في مسار القضية، قبل منتصف أبريل القادم.


يعتقد الرأي العام أن الأمور قد تبدأ في التغير بعد ذلك، وحينئذ سيتضح ما إذا كانت حالة الهدوء النسبي التي تشهدها مدينة تاونات هي من نوع الهدوء الذي يسبق اندلاع العاصفة، أم أنها حالة تمهد لدخول القضية مرحلة جديدة.


ولا تقتصر أهمية هذا الملف في الواقع على خلفية السرقة و وجود مشتبه بهم مرموقين، وإنما قد يتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد بكثير، خاصة وأن ملف القضية متشابك الخيوط و ملتوي الأنسجة، يرى فيه الشارع التاوناتي مجرد بداية مشجعة تسمح لها بالغوص في أعماق هذا المستنقع لتحريكه وجعل الرواسب و الأوساخ تطفو على السطح.


وسواء انطوى هذا الملف على قدر من المبالغة في التفاؤل أم لا، إلا أن ثقة الشارع التاوناتي في القضاء حافزاً قد يشجع أطرافاً أخرى على مواصلة الجهود الرامية للبحث عن الحقيقة.
وأياً كان الأمر، فلا شك أن إصرار الشارع التاوناتي على تبني الملف، و الثقة في القضاء من ناحية، يعدان مؤشران على أن ملف “ولد مينة” سيكون له شأن إلى حين تطرق مطرقة القاضي طاولة القضاء العادل، لتعلن أن “ولد مينة… بريء”.


وبناءً عليه، اعتقد أن ملف “ولد مينة” سيتمكن في نهاية من تحقيق أمرين، الأول، براءته من المنسوب إليه، والثاني، القبض على الجناة الحقيقيين وتقديمهم للعدالة من أجل المحاكمة.
أخلص من هذا التحليل الموجز إلى أن ملف “ولد مينة” يزداد وثوقاً ووضوحاً بمرور الأيام، وأن حالة الهدوء الراهنة التي تشهدها تاونات قد تكون حالة مؤقتة تسبق اندلاع العاصفة، وأن الخريف القادم قد يكون هو الخط الذي يتبين عنده الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر!


وعليه أرى أننا سنشهد تطوراً كبيراً في ملف “ولد مينة”، وربما سيكون الجزء الأكبر منه ملقى على عاتق التوناتيين، لكن قبل كل شيء يأتي الوعي ، و الذي هو أساس كل شيء، بالإدراك الواضح بالسبب والنتيجة ، بالأفعال و ردت أفعالها ، إن كل ما حدث وكل ما سيحدث من الآن فصاعدا في تاونات يتحدد بصحوتك ، و هذا لا يحتاج مجهودا جبارا ، كون المواطن التاوناتي انسان  واع في الأصل !.

Breaking News