عادل عزيزي
بدأ الزخم النضالي بإقليم تاونات يستيقظ من مخدر التهميش والإقصاء الذي أدخل الإقليم في غيبوبة كاملة والأحزاب في تقاعد مفتوح، وقاد التنمية إلى غرفة الإنعاش، والفضل في هذه الصحوة الإقليمية يعود إلى الشباب، الذي بدأ يصرخ و يرفع صوته عاليا، مطالبا بالحرية والكرامة و العدالة المجالية، وتنمية محلية تساهم في إخراج إقليم تاونات من الفقر.
منذ سنوات جرت مياه منعشة غزيرة تحت الجسر المتهالك للجسم الشبابي، وتغيرت أشياء كثيرة في الإقليم الذي تسربت إليه سلطوية ناعمة استغلت ضعف الفاعلين المدنيين، وترهل الأحزاب و النقابات، وانقسام المجتمع المدني، وعزوف الناس عن السياسة لترسي قواعد تدبير متسخة من ترفع شعار “لا تنمية لا كرامة “.
منذ سنة 2017 مع انطلاقة الحراك الجماهيري في إطار التنسيقية الإقليمية لرفع التهميش عن إقليم تاونات إلى اليوم، عرف الإقليم زخما نضاليا كبيرا و حراكا مجتمعيا هادفا، هي شهور ذات نفس طويل وبروح قوية وبإرادة عازمة هذه المرة على إحقاق الحقوق، وبسلمية وأشكال نضالية غاية في التعبير والحضارة، هذه المرة شباب إقليم تاونات حمل معه نضاله من أجل انتزاع حقوقه الاجتماعية والاقتصادية التي مُنحت للمغرب النافع في معزل عن المغرب الغير النافع، أكبر المتشائمين لم يكن يتوقع أن يستمر ذاك الحراك أسابيع فيهدأ، على اعتبار أنها موجة غضب والغضب يبرد إذا قدمت له كأس ماء بارد بلباقة ويحصل العكس أضفت الزيت للنار فيزداد لهيبها.
ما سر كل هذه الصحوة التي تسري في جسم إقليم كان مشلولا قبل مدة؟ إنه الضغط وعودة الحرارة إلى الشارع، واستيقاظ الوعي الذي انبعث من وراء التنسيقية، إن وقود الإصلاح هو الضغط، ولن توجد سلطة عبر العالم تعطي هدايا مجانية لشعبها، ألا يقال إن “الحقوق تنتزع ولا تعطى”.
هذا السياق الذي كشف مدى صورية الأحزاب والمشهد السياسي في الإقليم أقنع الشارع الذي لم يكن يفهم الكثير عن السياسة بالخصوص في إقليم تاونات، إن التهميش والإقصاء و الفقر الذي يعاني منه الاقليم لن يغادر عن طريق هذه التنظيمات الحزبية التي تنهب وتتصارع فقط ليكون لها منفذ إلى الكعكة، بمعنى بدا كل شيء بلا حجاب.
هكذا أصبح التمثل الجمعي ينتظر النقطة التي ستفيض الكأس وتؤكد هذا الفساد الانتخابي والمؤسساتي، فأيقظ الوعي في الشباب، الذي كان حلم ليلته قصيرا فاتجه للاحتجاج والتظاهر السلمي راغبا ومدركا أن حقوقه لن تؤتى له إلا عن طريق الاحتجاج والتعبير السلمي.
فأصبحت الآذان الصماء تسمع أصوات الأحرار وأصبح الذي رأى بأن الأمر متعلق بموجة غضب يرى أنها موجة نضال جميل يريد تحقيق حقوق عادلة ومشروعة من أجل غد أفضل للإقليم ولهذا الوطن.
إن الحركات النضالية لا تخضع لقانون الكل أو لا شيء، لأنها لا تتطلب انخراط كل المجتمع من أجل التشكل أو الانطلاق، بل يمكن أن تبدأ بفرد أو بمجموعة صغيرة، كما أن نتائجها أو تأثيرها لا يرتبطان بالضرورة بعدد أفرادها بقدر ما ترتبط بنوعية وبطبيعة مكوناتها، فيمكن لقليل من الأفراد أن يحققوا ما عجز عنه الكثير منهم، كما أن الحركات الكبيرة تسبقها دائما حركات صغيرة قادرة على الحركة بسرعة أكبر وبشكل مستمر.
إن المستقبل القريب لإقليم تاونات يحمل في رَحِمِه الكثير من المتغيرات والأحداث الجسام، وما لم يكُنْ الشباب التاوناتي على قَدْرِ هذا المستقبل المرتقب من النظام والتوحد والوعي فإن الإقليم سيظل يعاني نفس المشاكل التي يعاني منها منذ زمان.
صورة من الارشيف