عادل عزيزي
يمتاز إقليم تاونات بموقع ممتاز، زاد من أهميته، يحظى بموقع جغرافي استراتيجي متميز ، و يشكل نقطة عبور بين وسط المغرب وشماله، ويتوفر على إمكانيات ومؤهلات مجالية متنوعة: كتلة سكانية مهمة ، طاقات بشرية، إمكانيات فلاحية ضخمة، ثروة مائية، من أغنى المناطق الغابوية و المائية بالمغرب، معطيات طبيعية، تنوع بيولوجي، مواقع أثرية، ترا ث ثقافي هام …
رغم هذه المعطيات، ورغم أن إقليم تاونات ارتقى إداريا إلى مستوى عمالة في غشت 1976، فإنه لا زال يعاني على كل المستويات، ليسير نحو البداوة والتراجع، والابتعاد عن التنمية، إقليم لم يجن إلا المآسي وخيبات الأمل والنكسات من سياسة المجالس المتعاقبة.
فلاحيا،
يعتمد اقتصاد الإقليم بالأساس على الفلاحة وتربية الماشية التي تشغل أغلبية اليد العاملة القروية، حيث يوفر النشاط الفلاحي ما يزيد عن 05 ملايين يوم عمل خلال موسم فلاحي عادي. إلا أن هذا القطاع تعترضه مجموعة من العوائق، أهمها صغر الاستغلاليات وضعف التأطير التقني والتأطير المهني…الخ، الأمر الذي ينعكس سلبا على مردودية الإنتاج وجودته وتسويقه. وبالنظر للخصائص الفيزيائية للمجال القروي وكيفيات استغلاله، يمكن تقسيم الإقليم فلاحيا وبيئيا إلى منطقتين:
المنطقة الشمالية:
تقع شمال واد ورغة، بمرتفعات قد تصل إلى 1800 متر، وتتميز بمناخ رطب وتساقطات مطرية مهمة تتجاوز في بعض الأحيان 1000 مم/سنة. هذه الخصائص تسمح لهذه المنطقة بالتوفر على غطاء نباتي كثيف يتكون أساسا من الغابات والأشجار المثمرة خاصة الزيتون. ويتعاطى سكان هذه المنطقة لتربية الماشية بطريقة تقليدية بقطعان من الماشية من الحجم الصغير، كما تتميز بصعوبة التضاريس وضعف عمق تربتها، الأمر الذي يجعلها عرضة للانجرافات. وتضم هذه المنطقة جل مدارات السقي الصغير والمتوسط التقليدي المتواجدة بالإقليم. إداريا، تضم هذه المنطقة كلا من دائرتي تاونات وغفساي.
المنطقة الجنوبية:
تقع بين واد ورغة شمالا وواد سبو جنوبا، بمرتفعات تتراوح بين 150 متر و 1000 متر ، وتتميز بتساقطات مطرية متوسطة تتراوح بين 400 و 600 مم/سنويا. ويتعاطى سكان هذه المنطقة لزراعة الحبوب والقطاني وتربية المواشي بقطعان من الماشية من الحجم المتوسط، كما تتميز بصعوبة التضاريس وضعف عمق تربتها، الأمر الذي يجعلها عرضة للانجرافات. ولعل توفر هذه المنطقة على شبكة طرقية هامة يساهم بشكل كبير في رفع العزلة عنها. إداريا، تضم هذه المنطقة كلا من دائرتي تيسة وقرية ابا محمد.
خدماتيا،
يعيش الإقليم تحت وطأة تردي الخدمات الصحية وتواضع أداء المجتمع المدني كقوة فاعلة في النهوض بالنسيج المجتمعي، إذ تتوفر المنطقة على مستشفى إقليمي يعاني من نقص حاد في المعدات الطبية، مما يفتح المجال أمام التنقل لمناطق أخرى للعلاج، كما تتواجد دور للشباب لا تستجيب للرهانات الجديدة لتمكين الجيل الصاعد من بناء الشخصية وامتلاك مهارات القيادة وروح المبادرة ، مع تسجيل غياب مراكز تنتمي لمؤسسة محمد الخامس للتضامن وقاعة للرياضات وملاعب القرب أسوة بالسياسات القطاعية المتخذة سلفا، فلو تم الاستجابة لمكامن الخصاصة، سيتم تشجيع الاستقرار بصورة غير مسبوقة ليغيب عامل العدالة الاجتماعية، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدوى مشروع الجهوية الجديد؟
سياحيا،
موقع جغرافي متميز، مآثر تاريخية تحكي أمجاد الماضي، بارزة كشعلة تنمو بالروح والوجدان والمعرفة، على بساط اخضر صنعته طبيعة خلابة وثروات نباتية ومائية وحيوانية وسمكية، ومن تنوع في التضاريس والمناخ، ومآثر تاريخية ومواسم دينية و فنون شعبية فولكلورية، وصناعة تقليدية وحرف ومهارات متنوعة ومجالات لصيد وقنص الحيوانات والطيور البرية، وجبال وغابات وخيول ومحميات ومنابع وبحيرات ساحرة، وغيرها من الفضاءات ذات حمولة ثقافية أصيلة وموروث إيكولوجي متميز، وذات طابع اكتشافي في أعماق الطبيعة وبين الأودية، ولا يمكن لأي زائر للمنطقة ألا تأخذه الرغبة في الانضمام لهواة ومحترفي القنص البري، حيث الوحش والطيور المتنوعة. يبدو أن هذه المقومات الطبيعية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي يزخر بها إقليم تاونات لم تشفع له لينال حقه من العناية اللازمة.
اقتصاديا،
يبقى غياب الاستثمار والمصانع والمعامل بإقليم تاونات، من النقط السوداء والمثيرة للجدل لدى جميع الفعاليات المدنية والحقوقية والنقابية والسياسية والإعلامية ولدى أهل إقليم تاونات من صغيرهم إلى كبيرهم، فجل الاجتماعات التي تحتضنها القاعة الكبرى لعمالة تاونات أو غيرها تتطرق إلى التهميش والإقصاء الذي يعيشه هذا الإقليم لسنوات عديدة والذي يظهر جليا في نقاشات المسؤولين بمختلف توجهاتهم.
إجمالا لم يأخذ الإقليم حقه من التنمية، إقليم مهمش، وضعية مزرية يعيش في ظلها المواطنون وحاضرتهم، أوضاع اقتصادية واجتماعية لا تزداد إلا تراجعا للوراء، ضعف صناعي، نقص كبير في الوحدات الفندقية، طرق مهترئة، لكل هذه العوامل فإن أبناءه يهجرونه في اتجاه مدن كبرى للبحث عن مصدر للعيش مع عدم العودة بحكم أنه لا يتوفر لهم فرص الشغل..؟؟